البرنامج اليومي (إذا ما خذلت من جانب الله ولم تعد تحظى برعايته، ستنطلق في معاصي وتزداد ضلالا، وتتحول إلى إنسان يحمل نفسا خبيثة .).
برنامج رجال الله اليومي.
معرفة الله وعده ووعيده الدرس الرابع عشر صـ 9ـ10.
السيد حسين بدر الدين الحوثي.
فإذا ما قيمنا وضعيتنا فوجدنا أن وضعية الأمة هي في حالة خزي.. من الذي يستطيع أن يقول أن الأمة ليست في حالة خزي؟ اسمع التلفزيون سترى كيف مواقف الخزي، كيف الكلمات المخزية تنطلق من الكبار، وكيف الوقوف المخزي يحصل ممن يجب عليهم أن يتحركوا في أوساط الأمة؛ لإنقاذها، ولتبيين كتاب الله لها انظر كيف هي المواقف المخزية للأمة بشكل عام أمام التهديدات التي تأتي من قبل أعدائها، انظر كيف السكوت المخزي أمام ما يحدث من ضربات في كل جوانبها، وداخل كل بقعة، انظر كيف الحياة المخزية أن يصبح عيشنا تحت رحمة أعدائنا، وقوتنا من تحت أيدي أعدائنا.. أليس هذا خزياً؟.
إذا فهمنا أننا في حالة خزي، وفهمنا أن الخزي إنما يأتي إذا ما انطلقنا نحن على هذا النحو: نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، حينها سيكون فهمنا لواقعنا وفهمنا بأن هذه نتيجة لتقصيرنا سيدفعنا ذلك إلى أن نصحح وضعيتنا ونرجع إلى الله رجوعا عمليا صحيحا، لكن إذا فهمنا أن هكذا الدنيا، وأن علينا أن نصبر وإن كنا نعرف أن هذا خزي, هذا حال الدنيا والمسلمون هكذا يكونون مستضعفين، وإذا قلنا نحن أهل الحق وجدنا أنفسنا مستضعفين أكثر قالوا هذا هو الدليل على أننا على حق، أن أهل الحق هم يكونون عادة مستضعفين أكثر، ومساكين، وأذلاء، ومقهورين!! إذاً فيصبح الخزي علامة أنك محق.. أليس كذلك؟ كلما كنت في خزي أكبر كلما كان ذلك يعني: أنك على الحق أكثر وأكثر!.
لكنا هنا القرآن الكريم يقول:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ثم يأتي الربط الذي تراه كثيراً في القرآن الكريم بين الحالتين، لا تتوقع بعد الخزي في الدنيا رفعة في الآخرة, توقع بعد الخزي في الدنيا عذاباً عظيماً في الآخرة نعوذ بالله {خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(البقرة: من الآية85) هكذا يجب أن نفهم، وهكذا نرد على من ينطلق ليعلمنا: أن هكذا الحياة خزي وراءه رفعة في الآخرة، غير صحيح. القرآن في أكثر من آية يربط على هذا النحو.
ويقول سبحانه وتعالى:{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (البقرة:59)، بدلوا كلمة.. قال: {وَقُولُوا حِطَّةٌ}(البقرة: من الآية58) {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ}(البقرة: من الآية58) حطة بما تعنيه: حط عنا ذنوبنا، حط عنا سيئاتنا، ما أعجبهم أن يقولوا هذه الكلمة بطيبة نفس وغيروها [حنطة] أو بعبارة أخرى، ألم يزيدوا [نوناً] على{حِطَّةٌ}؟ هذا النون ماذا أدى إليه؟ أصبح ما قالوه تبديلاً بإضافة نون كما يقول بعض المفسرون أنهم قالوا: حنطة. ولم يقولوا: حطة. أصبح النون هنا لذيذاً، النون أصبح له طعماً لذيذاً.
{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ}(البقرة: من الآية59) فما الذي حصل؟ {فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمَاءِ}(البقرة: من الآية59) استحقوا رجزاً من السماء، أي سماء؟ سماء جهنم أم سماء الدنيا؟ رجزاً من السماء: عذاباً من السماء، والكلمة تعني: عذاب بأي نوع كان من أنواع العذاب {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}(البقرة: من الآية59) زيادة نون جعلت اللفظة التي أمروا بها أصبحوا بها مبدلين للقول الذي أمروا بأن يقولوه عندما يدخلون الباب، أصبحوا مستحقين أن ينالوا عقوبة إضافة نون إلى حطة فيأتي بعد النون هذه رجز من السماء، ويحكم عليهم بأنهم قد فسقوا {بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} ويأتي بحرف [الفاء] الذي يفيد سرعة حصول هذا وترتبه بتعاقب: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا} [الفاء] تفيد التعاقب السريع أيضا {فَأَنْزَلْنَا} تختلف عن [ثم] لم يقل [ثم أنزلنا] هذا قد يوحي بأنه بعد فترة، تحصل عقوبة بسرعة كما قال:{فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا}(طـه: من الآية121) في آدم وحواء سريعا.
هذه قضية يجب أن نتنبه لها: أن الناس متى ما كانوا مقصرين، فليفهموا أن العقوبة المكتوبة جزاءً لذلك التقصير تأتي سريعا {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}(النساء: من الآية160) وقد تكون العقوبة أيضا بشكل تشريعات شاقة {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ}(النساء: من الآية161) وهكذا فقال إنه عندما شرع حرم عليهم طيبات أحلت لهم، أليس هذا فيه عذاب؟ نوع من العذاب ولم يعدهم برفع هذا التحريم عنهم إلا إذا آمنوا برسول الله محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)، كما قال: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}(الأعراف: من الآية157) كان هناك إصر: أثقال جاءت بشكل تشريعات لأنهم كانوا يتمردون، فيستحقون عقوبات.
وقد تأتي العقوبات بشكل دائم تأتي بشكل أن يحرم عليهم شيئاً من الطيبات فيكون شاقا عليهم، ألم يحرم عليهم كل الشحوم؟ حرم عليهم الشحوم إلا شيئاً معينا من الشحوم الذي لم يحرمه، الحوايا أو ما اختلط بعظم. وقد تأتي العقوبة بشكل شيء معنوي يتجه إلى القلوب كما قال الله سبحانه وتعالى عن بني إسرائيل، وبنو إسرائيل في تاريخهم الطويل داخله عبر لنا ولم يحك عن أولئك! يقول ما يحصل لأولئك سيحصل لنا نحن، القرآن ليس كتابا تاريخيا يتحدث عن قصص للتسلية، ولأن تاريخ بني إسرائيل هو رصيد مهم حافل بالعبر والدروس قدمه لنا {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ}(المائدة: من الآية13).
هكذا الإنسان قد يقترف معاصي، أو قد يعرض عن هدى، أو قد يقصر في عمل مما عليه أن يعمله فتكون النتيجة هو أن يقسو قلبه، وقسوة القلب ليست قضية هينة، قسوة القلب ماذا وراءها؟ وراءها كل الشقاء في الدنيا، وراءها جهنم، بل عندما يقسو قلبك بسبب معصية واحدة معينة ستنطلق أنت إلى المعاصي؛ لأنك قد خذلت من جانب الله ولم تعد تحظى برعايته، ستنطلق أنت في معاصي كبيرة، ومعاصي كثيرة تضل وتزداد ضلالا، وتتحول إلى إنسان يحمل نفسا خبيثة يتراكم الخبث داخلها.
قسيت قلوبهم فانطلقوا يحرفون الكلم عن مواضعه، وحصل أن نسوا حظاً كثيراً مما ذكروا به، ثم كما قال الله: {وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ}(المائدة: من الآية13) خيانة، خداع، مكر، إذا ما قسى القلب انطلق الإنسان شرا في هذه الحياة، انطلق إلى عمل المعاصي بكل جرأة، بلغ بهم الحال إلى أن يحرفوا الكلم عن مواضعه فيفترون على الله الكذب؛ لأن قلوبهم قد قست.. لماذا؟ وبماذا قست؟{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ}؛ لأنهم لم يفوا بالميثاق الذي بينهم وبين الله، لأنهم لم يفوا بالمواثيق التي بينهم وبين الآخرين، فنقض الميثاق معصية تأتي بعده هذه العقوبة: أن يقسو القلب.
ثم يقول سبحانه وتعالى في آية أخرى بعد أن طلب نبي الله موسى من قومه أن يدخلوا القرية التي كتب الله لهم أن يدخلوها ـ القصة مهمة جداً ـ: {يَا قَومِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا}(المائدة: من الآية24) أليست هذه معصية؟ رفضوا! ما الذي حصل من عقوبة في الدنيا؟{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}(المائدة: من الآية24) {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ}(المائدة: من الآية26) بعد هذا جاء بالعقوبة عليهم في الدنيا:{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (المائدة:26).
أليس هذا وعيداً في الدنيا حصل لبني إسرائيل؟ تاهوا أربعين سنة في صحراء [سينا] لا يبنون مساكن ولا يزرعون.. بالآلاف تائهين مثلما نحن، نحن الآن في حالة تيه، لكن تيهنا تيه فكري، تيه ثقافي نرى المشاكل، ونرى المصائب من كل جهة ولا ندري ماذا نصنع، ويصل الحال بنا في حالة تيهنا أنه متى ما أحد قال لنا: هذا حل أو قولوا هكذا.. سخرنا منه، ماذا سيجدي هذا؟!. لا.. دعنا هكذا. دعنا نتيه. ألسنا في حالة تيه؟.
حتى تتأكد أننا في حالة تيه ـ كلنا نحن المسلمين ـ انظر إلى وسائل الإعلام في التلفزيون تتحدث عما يعمل الأمريكان وعما يعمل اليهود في كل منطقة وعما يعمل النصارى، ثم انظر هل هناك حديث عن حل، أو حديث عن موقف إسلامي أو موقف عربي؟ لا.. تائهين، فقط يهمنا أن نسمع، أن يقال حتى كلمة واحدة قولوها قد ربما تزعج أولئك قد تزعجهم أو تقلقهم قليلا، يكون موقفا لا بأس لا بأس أقل قليل [ماذا يعمل هذا؟.. لا. دعنا هكذا نتلذذ بالتيه. دعنا هكذا رضينا بهذه الحالة.. ملطام هنا وملطام هنا. وإذا أحد انطلق قلنا له: اسكت. وإذا أحد يريد أن ينبهنا على أن يكون لنا موقف أو أن يقول شيئا أن نصرخ في وجه هؤلاء الأعداء لنزعجهم لنقلقهم. قالوا: لا.. اسكت.. دعنا].