الدرس الحادي عشر من البرنامج الرمضاني.
متى ما قيل لك إن عملك هذا خطير فهو شهادة أنك على النهج الصحيح في مواجهة أعداء الله.
الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي.
معرفة الله وعده ووعيده الدرس الرابع عشر من ص 13 ـ 15 .
ثم إذا ما عرفنا بأنه يقال: إن عملاً كهذا خطير، إذًا فاعرف أنه عمل خطير أيضاً يعني: عظيم له قيمته.
إذا قيل لك بأن هذا عمل خطير عليكم، ماذا يعني هذا؟ أليس ذلك يعني: أن عملك له قيمته وله أثره البالغ على أعداء الله؟ إذاً هو ما تريده. أو أننا نريد أن نبحث عن أعمال لا تضر بالآخرين!. هل هذا معقول؟ كيف بإمكانك أن تقف في مواجهة أعداء الله وبأعمال لا تكون خطيرة ولا تضر بآخرين! ما هو العمل هذا؟ ربما النوم، النوم هو لن يضر بالآخرين لكن سيضر بك.. أليس كذلك؟
إذا ما انطلقنا في عمل معين، فقيل لنا: هذا عمل خطير، فجلسنا، انطلقنا في عمل آخر، فقيل: هذا خطير، جلسنا، أي أننا نريد أن نبحث عن عمل نقف معه ضد أعداء الله لكن لا نريد أن يكون خطيرا علينا، فإذا لم يكن خطيرا علينا يعني أنه ليس شديد النكاية بأعداء الله.. أليس كذلك؟
فهذا يسمى جهاد ماذا يمكن أن نسميه؟ جهاد من نوع لين، أو جهاد انتساب كطلاب الجامعة، يدرس في الجامعة عن بعد، متى ما قيل لك: عملك هذا خطير فإنه شهادة أن عملك هذا مؤثر ضد أعداء الله.
فإذا كنت مجاهداً ويهمك أن تبحث عن الأعمال التي ترضي الله، والتي تكون مؤثرة ضد أعداء الله فإنه متى ما قيل لك: إن عملك هذا خطير، فهو شهادة أنك على النهج الصحيح في مواجهة أعداء الله، وهو شاهد أيضاً على أن عليك أن تبحث أكثر وأكثر عـن ما يشكل أكثر خطورة عليهم، وإن كـان أيضاً أكثر خطورة عليك؛ لأنه أحياناً ـ وهذا هو ما نجهله جميعاً ـ ننظر إلى الخطورة التي تحدث من وراء ذلك العمل من جانب الآخرين، ولكننا لا ننظر إلى خطورة القعود وما توعد الله على القعود وعلى السكوت من عقوبات أقلها الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة، لا نخاف من ذلك أليست هذه هي الخطورة البالغة التي يجب أن نخافها؟ أليس هذا هو الخطر الحقيقي الذي يجب أن نخافه؟ فحينئذ قارن بين سكوتك وبين عملك أيهما سيكون أخطر عليك من جانب من؟ الخطورة من جانبه أشد والعقوبة من جانبه أعظم وهو الله. هل سكوتي أو انطلاقي في العمل أيهما أخطر علي؟ من جانب الله سبحانه وتعالى؟ ستجد أن السكوت هو الذي يشكل خطرا عظيما عليك.
نظرة خاطئة، نظرة لا تلتفت إلى جانب الوعيد لا في الدنيا ولا في الآخرة، متى ما انطلق الناس في عمل فقيل لهم: هذا خطير، اتجهت أذهانهم وأنظارهم إلى ذلك الخطر المحتمل من جانب جهة داخلية، أو خارجية وجعلوه كل شيء وارتعدت فرائصهم، واضطربت قلوبهم.
إذا كان الناس على هذا النحو فسيكونون هم ممن قال الله عنهم:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ}(العنكبوت: من الآية10) {آمنا} لكن إذا الدنيا سلامات {فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ}(العنكبوت: من الآية10) وجعلها نكالا لما بين يديها وما خلفها، ثم لا يعد يرفع له رأساً، ولا يعد يرفع له يداً ولا تنطلق من فمه كلمة. [ألم نقل لكم أن هذا عمل خطير, ألم نقل لكم اتركوا هذا العمل.. ما رضيتم؟] أليس هكذا يقول الناس؟.
أنت قل للآخرين قل لهم ما قال الله في كتابه من وعيد لمن يقعدون لمن يتخاذلون، لمن يسكتون وما وعدهم به من أجر عظيم، ومن جزاء حسن في الدنيا وفي الآخرة، إذا ما انطلقوا يعملون ذلك الجزاء العظيم الذي يجعل كل خطر من جانب الآخرين لا شيء، كلم الناس بهذا، ذكر الناس بهذا، الذي يقول لك: عملك هذا خطير، قل له: لكن أنت سكوتك أيضاً هو خطير، وتعال نجلس معا أنا وأنت، نعرض سكوتك ونعرض عملي على كتاب الله، فننظر أيهما أشد خطراً، وحينها سنسلِّم أنا وأنت، ونحن مستعدون إلى أن نقف، إلى أن نمتنع، إذا كان عملي هو أكثر خطرا عليّ من جانب الله سألتزم بكلامك، وإن كان سكوتك هو الأكثر خطرا فإنه يجب عليك أن تتحرك بحركتي، لماذا لا تقول للآخرين هكذا؟ من يقولون: (اسكتوا كلامكم خطير، عملكم هذا خطير). لماذا لا تقول لهم هذا؟ نحن ننسى.
ألم أقل قبل يومين في شرح كلام زين العابدين: ((وبلغ بإيماني أكمل الإيمان)) أننا بحاجة إلى أن نكون جنودا لله، نعي كيف نتحدث مع الآخرين، نعي كيف نخاطب الآخرين. من هو ذلك الذي قد يقول مثل هذا الكلام إذا ما انطلق شخص آخر ليثبطه عن عمل ـ قد يكون القليل منا ـ ونحن ما تزال أعمالنا بسيطة، فإذا ما انطلق أحد يثبطه عن عمل تاه بفكره وسكت، من سيقول لك عملك هذا خطير قل له: سكوتك أنت أيضا خطير عليك أمام الله.
الخطورة البالغة هي في سكوتك؛ خطورة عليك وخطورة على الأمة وخطورة على الدين. لكن عملي قد يكون فيه خطورة على شخصي فقط وهو بناء للأمة وهو نصر للدين. فأيهما أشد خطورة ذلك الذي هو ضرب للدين وللأمة وللإنسان نفسه، أم هذا الذي قد يكون لشخصك لكنه نصر للأمة، ونصر للدين، وفوز لك في الدنيا والآخرة؟.
يجب أن نصل نحن في وعينا إلى أن نعرف كيف نتحدث مع الآخرين عندما ينطلقون ليثبطونا عن أي عمل، وما زالت أعمال الناس بسيطة، لنكون جنداً من جنود الله لا يستطيع أحد أن يوقفنا أبداً لا بتضليله، ولا بإرجافه، ولا بأي أسلوب كان.
كلام الرجلين ـ{قَالَ رَجُلانِ} ـ يدل على أن المجاميع الأخرى كانت متخاذلة أليس كذلك؟ أنها كانت متخاذلة. لم يقل هنا حتى قال عالمان أو قال كبيران، بل{قَالَ رَجُلانِ} وأنت انظر كما قلت سابقا ستجد إذ كنت تفترض أن هناك مجاميع من العلماء والعباد داخل بني إسرائيل.. أين هم؟ أليسوا في ذلك الجانب الآخر المتخاذل؟ خذ عبرة من هذا، خذ عبرة من هذا أنه هكذا في كل زمان، والتاريخ يشهد أنه في كل زمان ليس العلماء جميعا يتحركون، ولا الوجهاء جميعا يتحركون، ولا المؤمنون جميعا يتحركون، ولا كل من يمتلك فما ينطق ويتحدث.. هذا هو الشيء المعروف من خلال القرآن الكريم ومن خلال التاريخ، تاريخ الأمة.
يقول الله سبحانه وتعالى أيضا: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(المائدة:41) أليس هذا وعيدا يبدأ من الدنيا وينتهي بالآخرة على نمط واحد؟ خزي في الدنيا يكون وراءه عذاب عظيم.
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} (المائدة:80) ألم يسخط عليهم في الدنيا؟ ألم يلعنهم في الدنيا؟ اللعنة في الدنيا ماذا تعني؟ طردا من رحمة الله، ورحمة الله عندما تأتي لتتلمس الكثير الكثير من مظاهرها تجد كم هي خسارة كبيرة جدا عليك أو على أمة من الأمم أن يلعنها الله، طرد من رحمة الله، لم يعد يحظى برحمة من قبل الله، تطرد من عالَم التوفيق والألطاف، من عالم العناية والرعاية الإلهية؛ فتصبح فريسة للشيطان، فريسة للمضلين، تصبح إنسانا شريراً تنطلق كما انطلق الشيطان.
ألم يلعن الله الشيطان بعد تلك المعصية التي اقترفها عندما استكبر عن السجود لآدم؟ بعد أن لُعِن ماذا حصل؟ ألم يتعزز لديه الضلال والإضلال والخبث حتى أصبح شيطاناً لعيناً، رجيماً، أصبح رمزاً للشر، أصبح رمزاً للسوء، أصبح رمزاً للضلال، أصبح رمزا للباطل؛ لأن الله لعنه، وأمة إذا لعنها الله تخذل، وتذل، وتقهر وتهان.
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} وما تزال اللعنة قائمة عليهم.. لكن لماذا نراهم هكذا أقوى منا ونرى أنفسنا نحن المسلمين تحت أقدامهم؟ لماذا؟ لأننا لو أتينا إلى دراسة واقعنا نحن، وإلى عظم الجريمة التي ارتكبناها نحن المسلمين لوجدنا أنفسنا أننا قد طردنا أكثر منهم ولعنا أكثر منهم. حقيقة هذه.
هل أن اللعنة رفعت عن بني إسرائيل؟ فلماذا رأينا أنفسنا تحت أقدامهم؟ إلا لأن هذه الأمة فيما اقترفته من جرائم في إعراضها الكبير عن دين الله، في تخليها عن مسؤوليتها وهي آخر الأمم، والمسؤولة عن إصلاح الأمم الأخرى جميعا، عن النهوض بهذا الدين، عن أن تقطع أيدي اليهود والنصارى الذين قد لعنوا.أصبحت وضعية هذه الأمة أسوأ بكثير من وضعية بني إسرائيل التي لعنوا بها فكأن الأمة في لعنة أشد من لعنة بني إسرائيل.
إذا ما غلبك ضعيف فماذا يعني ذلك؟ ألا يعني أنك أضعف منه، إذا ما أذلك ذليل ماذا يعني ذلك؟ أليس هذا يعني أنك أذل منه؟ هكذا.. أو نقول بأن هناك ربما اللعنة قد ارتفعت عن بني إسرائيل؟ هل أن بني إسرائيل اتجهوا إلى الأفضل؟ أم أنهم ازدادوا سوءاً وازدادوا ضلالاً وإضلالاً، وحركة في الدنيا بالإفساد؟ فأصبحوا مستحقين للعنة أكثر وأكثر، لكن وستلعن أمة؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يلعن أشخاصا لألوانهم، أو لأسمائهم، أو لمواقعهم في هذه الدنيا، إنما لأعمالهم فكما لعنت بنو إسرائيل لأعمالهم ستلعن أمة أي أمة كانت، إذا ما اقترفت تلك الأعمال أو أسوأ منها، وستكون اللعنة عليها أشد وأعظم إذا ما اقترفت أعظم مما اقترفه بنو إسرائيل.