خطاب السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي بمناسبة المولد النبوي الشريف 1442 هـ 29-10-2020م
| خطابات ومحاضرات السيد القائد | 12 ربيع الأول 1442هـ / الثقافة القرآنية :-
حياكم الله، حياكم الله…
هذا الحضور المليوني الذي لم يسبق أن أقيمت بمثله هذه المناسبة المباركة هو حضوركم أنتم يا أحفاد الأنصار، هو حضور يمن الإيمان والحكمة، هو حضور الأوفياء في كل زمن مهما كانت التحديات، ومهما كانت الصعوبات، ومهما كانت العوائق.
أرحب بكم جميعاً، وأرحب بالحاضرين من الجاليات العربية والإسلامية التي حضرت معنا في هذا الحفل، وهي من عشرين بلداً من بلدان عالمنا الإسلامي والعربي.
أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَدُ ألَّا إلهَ إلَّا الله الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين، أرسله الله رحمةً للعالمين، {شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}[الأحزاب: 45-46]، فبلغ رسالات الله، وجاهد في سبيل الله صابراً محتسباً حتى أتاه اليقين، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب: الآية56]، اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأخيارِ المنتجبين، وعن سائرِ عِبَادِك الصالحين.
أيُّها الإِخْوَةُ والأخوات الحاضرون في كل ساحات الاحتفال بهذه الذكرة المباركة السَّـلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُه؛؛؛
وكتب الله أجركم، وبارك فيكم، ومباركٌ لكم ولكل أبناء شعبنا وأمتنا الإسلامية بحلول هذه الذكرى المجيدة، والمناسبة المباركة العزيزة: ذكرى مولد خاتم النبيين، ورحمة الله للعالمين، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين”.
إن شعبنا اليمني المسلم العزيز، وانطلاقاً من هويته الإيمانية، ووعيه بأهمية الاستفادة من هذه المناسبة المباركة كمحطةٍ تربويةٍ وتوعويةٍ وتعبويةٍ إيمانية، ومناسبةٍ لترسيخ الولاء لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وكمناسبةٍ للاعتراف بعظيم نعمة الله وفضله، قد أقام هذه المناسبة المباركة على نحوٍ متميز، بدءاً بالفعاليات الكثيرة التي تضمنت المحاضرات والأنشطة التثقيفية والتوعوية المتنوعة؛ إضافةً إلى الأنشطة الخيرية، وأيضاً بالإظهار لمظاهر الابتهاج والفرح، استناداً إلى قول الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: الآية58]، وأي فضلٍ ورحمةٍ أعظم من رحمة الله ومن فضله العظيم الذي منَّ به على عباده من خلال رسوله الهادي، وكتابه الكريم، هذه النعمة التي يترتب عليها الخير كله في الدنيا والآخرة.
لقد أتت هذه الذكرى المباركة والواقع البشري بشكلٍ عام، وساحتنا الإسلامية بشكلٍ خاص تشهد الكثير من الأحداث والتطورات والمتغيرات، كما أن الظروف التي تعيشها الأمة الإسلامية مشحونةٌ بالمشاكل والأزمات، والفرقة والشتات، والاختلاف والتباينات، وهو ما يستوجب الالتفاتة الجادة والصادقة، ومن منطلق الاستشعار للمسؤولية أمام الله “سبحانه وتعالى”، وبالاستفادة من هذه المناسبة المباركة لتكون منطلقاً نحو إصلاح الخلل، وتقويم الاعوجاج، ومعالجة الإشكالات، فالتجاهل لواقع الأمة بما فيه من مشاكل، وما تواجهه من تحديات، بقدر ما هو تنصلٌ عن المسؤولية، هو أيضاً حماقةٌ بكل ما تعنيه الكلمة، ونتائجه كارثيةٌ ورهيبة في الدنيا والآخرة، ولا ينسجم مع مبادئ وقيم الإسلام وتعليمات الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم، وعلى لسان رسول الله “صلى الله عليه وعلى آله”، القائل فيما روي عنه: (من أصبح لا يهتم بأمر المسلمين، فليس من المسلمين، ومن سمع مسلماً ينادي يا للمسلمين، فلم يجب، فليس من المسلمين).
إن هذه الذكرى المباركة هي فرصةٌ ثمينة، ومحطةٌ مهمة للتذكير بالمسؤولية، والتذكير برحمة الله وفضله، حيث الحلول النافعة الناجعة، والحقيقية التي ينبغي على أمتنا الإسلامية أن تعود إليها، وأن تستفيد منها فيما يصلح واقعها، وواقع المجتمع البشري بشكلٍ عام.
إن منشأ كل المشاكل الكبرى، ومنشأ كل المفاسد وكل المظالم التي تعاني منها أمتنا الإسلامية، ويعاني منها المجتمع البشري بكله، هو الانحراف عن رسالة الله تعالى، وتعاليمه، وهديه ونوره، وعدم الاقتداء والتأسي برسله وأنبيائه “صلوات الله وسلامه عليهم”، وهذه الحقيقة المهمة يجب أن نستوعبها جيداً، وأن نؤمن بها، وأن ننطلق على أساسها في توجهنا نحو الحلول للمشاكل التي تعاني منها أمتنا الإسلامية وبقية المجتمعات البشرية، وهذه المسألة تعود بنا إلى حقائق مهمة سعى الظلاميون المضلون من أتباع الشيطان، والجاهليون والمبطلون إلى إزاحتها عن الذهنية العامة، وعن المنطلقات التي يعتمد عليها البشر في نظام حياتهم، وأهم وأكبر هذه الحقائق، هو: الإيمان بالله “سبحانه وتعالى” بشكلٍ صحيحٍ وواعٍ وفق المفهوم الذي بلغه الأنبياء والرسل، وتحركوا على أساسه، الإيمان الذي ثمرته الطاعة لله تعالى، ونظم شؤون هذه الحياة، والمسيرة العملية للإنسان، وفق هديه وتعليماته القيمة والمباركة، الإيمان الذي يحرر الإنسان من العبودية للطاغوت، ومن كل أشكال الاستعباد والاستغلال، ويصله بالعبودية لله رب العالمين، والإله الحق المبين، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}[النحل: الآية36].
إن الإيمان بالله “سبحانه وتعالى” لا يقتصر على مجرد الإقرار بأنه الخالق الرازق، والمحيي المميت، وأنه الصمد الذي نلجئ إليه عند الشدائد والكرب، ليغيثنا وينقذنا، هذا جانبٌ من جوانب الإيمان؛ بل يجب الإيمان بهدايته “سبحانه وتعالى” ومنهجه الحق، باعتبار ذلك من مصاديق الإيمان بأنه ربنا وإلهنا الذي له حق الأمر والنهي فينا، والتشريع والطاعة علينا، وهو سبحانه المعني بأمرنا، كما أن مسيرة حياتنا والهدف من وجودنا مرتبطٌ بتدبيره “سبحانه وتعالى”، فهو لم يخلقنا عبثا، ولم يتركنا سدى، قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ}[المؤمنون: 115-116]، ولذلك فالإيمان بالله “سبحانه وتعالى” أساسٌ لمنظومةٍ من المبادئ والقيم والأخلاق والتعليمات التي أمرنا الله “سبحانه وتعالى” بها؛ لتستقيم بها حياتنا، ويصلح بها واقعنا، وأي مخالفةٍ لها، ينتج عنها خللٌ في واقع الحياة نفسها، وتأثيرٌ سلبيٌ على الإنسان في نفسه وفي حياته، وفي محيطه وواقعه، وكما أن الله “سبحانه وتعالى” يجازي الإنسان وفقاً لهذا الأساس، فالإيمان والاستقامة والعمل الصالح، والالتزام بتوجيهات الله تعالى صلةٌ برحمة الله تعالى في الدنيا والآخرة، والانحراف والإساءة والعصيان سببٌ لخسارة الإنسان، وللعقوبة والعذاب، والعاقبة والجزاء الأوفى في مسيرة الإيمان هي الجنة والنعيم الأبدي في الآخرة، كما أن عاقبة الذين أساءوا السوأى والعقوبة الكبرى وهي جهنم والعياذ بالله، قال تعالى: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[الجاثية: الآية22]، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت : 46]، والله “سبحانه وتعالى” قد أتم حجته على عباده برسله وأنبيائه، كما قال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[النساء: الآية165].
إن رسالة الله تعالى بكل ما تضمنته من هداية للناس هي من منطلق رحمته “سبحانه وتعالى” بعباده، ومن حكمته، وبعلمه، وهي منهجٌ للحياة، فكما أنه “سبحانه وتعالى” خلقهم، وهيأ لهم متطلبات الحياة، وأصبغ عليهم نعمه المادية، وهيأ لهم الظروف الملائمة لوجودهم في هذه الأرض، وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه، فهو أيضاً قد قدم لهم المنهج القويم الحكيم، الذي به تستقيم حياتهم، وهداهم إلى الصراط المستقيم الذي يصل بهم إلى أرقى وأسمى الغايات في الدنيا والآخرة، وهي الحقيقة والرشد، وبها الصلاح والفلاح، ولن يستطيع البشر إنتاج بديلٍ عنها أقوم منها ولا مماثل لها، وما يقدمونه كبديل، حتى لو كان بحسن نية، هو قاصرٌ بقصورهم، وبجهلهم، وبحدود معرفتهم وخبرتهم، والفارق هائلٌ جداً بينه وبين ما يقدمه الله من رحمته وحكمته وعلمه “سبحانه وتعالى”.
ومع ذلك فإن أغلب ما يقدم من البدائل مصدره الطاغوت الظالم المستكبر، ومبنيٌ على ما يحقق له أهدافه السيئة، القائمة على أساس الاستغلال السيء، والاستعباد الظالم للمجتمعات البشرية، ويوضح القرآن الكريم الفارق بين الأمرين، قال الله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة: الآية257]، كما أن الرسل والأنبياء هم النماذج، الرواد العظماء، وهم صفوة الله في عباده، والذين وصلوا أسمى وأعلى مراتب الكمال الإنساني رشداً، وبصيرةً، ورحمةً، وحكمةً، وأخلاقاً، وصلاحاً، وزكاءً، ونبلاً، فهم الأجدر بقيادة المجتمع البشري، وأن يكونوا هم القدوة والأسوة الذين يقتدي بهم الناس ويتبعونهم.
ولذلك فلا مبرر أبداً للكافرين برسالة الله تعالى ورسله، ولا للمعرضين، ولا للمنحرفين، بل إن النتيجة لذلك كله هي الخسارة الكبيرة في الدنيا والآخرة، وقد قدَّم الله لنا في القرآن الكريم الشواهد على ذلك في قصص بعض الأنبياء “عليهم السلام” وأقوامهم، كقوم نبي الله نوح “عليه السلام”، وعادٍ قوم نبي الله هود “عليه السلام”، وثمود قوم نبي الله صالح “عليه السلام”، وقوم لوطٍ وقوم شعيب “عليهما السلام”، وغيرهم ممن كذبوا برسالة الله وكفروا برسله، وكيف كانت خسارتهم وهلاكهم، كما قدم الشواهد على حالة الانحراف والتحريف والإيمان ببعضٍ والكفر ببعض، مع الانتماء- في نفس الوقت- إلى الرسالة الإلهية، فيما عرضه لنا في القرآن الكريم عن اليهود والنصارى في تاريخهم الطويل الممتد، وفي حاضرهم ومستقبلهم.
فأهل الكتاب من اليهود والنصارى، وفي الفترة الزمنية الطويلة، الممتدة ما بين بعثة نبي الله عيسى “عليه السلام”، إلى بعثة خاتم الأنبياء رسول الله محمد “صلى الله عليه وعلى آله”، تعاظم مع الزمن الانحراف فيهم على مستوى الالتزام والعمل عن رسالة الله تعالى، في مبادئها، وقيمها، وأخلاقها، وتعاليمها، ثم مع ذلك تعاظم تحريفهم على المستوى الفكري والثقافي، وفيما يقدمونه باسم الكتب الإلهية وباسم الأنبياء، ويحسبونه على الله تعالى؛ لشرعنة الانحراف العملي، وللترويج للباطل، فتورطوا في جرائم رهيبة، وفي مقدمتها افتراء الكذب على الله تعالى، ولبس الحق بالباطل، والكتمان للحق، والتحريف لكلمات الله تعالى عن مواضعها، قال الله تعالى في القرآن الكريم مبيناً لحالهم ذلك: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران: من الآية75]، وقال تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا}[النساء: الآية50]، وقال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران: الآية78].
ولذلك فقد اندمجوا مع الطاغوت، وأصبحوا جزءاً من الواقع الجاهلي الذي طغت فيه الأهواء والمفاسد والرذائل والمظالم؛ أما ما بقي من الشعائر الدينية ونحوها فقد كانت مجرد طقوسٍ مجردةٍ من أثرها في الواقع، بعد تضييع الرسالة الإلهية كمنهجٍ للحياة، فكان البديل هو الجاهلية التي طغت بظلمها وظلامها، وأصبح الواقع البشري مأساوياً وكارثياً، والخطورة تزداد يوماً بعد يوم، وتهدد مستقبل الإنسانية التي اقتربت مسيرة حياتها على الأرض من النهاية؛ لاقتراب الساعة وأزوف القيامة، فأتت رحمة الله “سبحانه وتعالى” لإنقاذ وخلاص البشر بخاتم أنبيائه رسول الله محمد “صلوات الله عليه وعلى آله”.
ولد رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، يتصل نسبه بنبي الله إسماعيل بن نبي الله إبراهيم عليهما السلام، ولد في عام الفيل، وهو العام الذي أهلك الله فيه أصحاب الفيل، وهم الجيش الذي اتجه إلى مكة بقيادة أبرهة، بهدف احتلالها، والسيطرة عليها، والحيلولة دون تحقق الوعد الإلهي بظهور وبعثة خاتم الأنبياء، بعد ظهور المؤشرات والعلامات التي تدل على قرب ذلك، مع هدفٍ آخر هو: تدمير بيت الله الحرام (الكعبة المشرفة)، بكل ما لها من أهميةٍ دينية، وقداسةٍ ورمزية، فجعل الله كيدهم في تظليل، وأرسل عليهم طيراً أبابيل وأهلكهم، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[يوسف: من الآية21]، وقد كان ذلك من أكبر وأعظم البشائر والارهاصات الممهدة والمهيأة، فقد ولد رسول الله “صلى الله عليه وعلى آله وسلم” في ذلك العام، في شهر ربيعٍ الأول، وتحققت بشارة الأنبياء به، ومنها دعوة نبي الله وخليله إبراهيم وابنه إسماعيل “عليهما السلام” أثناء بناء البيت الحرام، التي ذكرها الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم، قال تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[البقرة: الآية129]، وبشارة نبي الله موسى، ونبي الله عيسى… وغيرهم من الأنبياء الذين بشروا به، وأعلنوا عن عظيم منزلته ورفيع درجته عند الله تعالى، ومن تلك البشارات التي وردت في كتابٍ من كتب الله المباركة، وهو التوراة، والتي تضمنت المواصفات الرئيسية البارزة للنبي، ولاتباعه الحقيقيين الصادقين، قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ}[الفتح: من الآية29]، وبالتأمل في هذا النص القرآني المبارك عن هذه البشارة التي بلَّغ بها نبي الله موسى “عليه السلام” في التوراة، تتحدد معالم بارزة تبين المنهج الحقيقي لمسيرة الرسالة الإلهية، قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}، أتى قبل ذلك قوله تعالى في الآية التي قبل هذا النص المبارك: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا}[الفتح: الآية28]، فمحمدٌ هو رسول الله، وأتى بالمشروع الإلهي الموعود من الله بالظهور، والمدعوم من قِبل الله “سبحانه وتعالى”، فهو امتدادٌ لرحمة الله تعالى وحكمته وعزته، وهو متصلٌ به، ولذلك لا يساويه أيُّ مشروعٍ آخر، ولا يمتلك من خصائص القوة والنجاح ما يمتلك هذا المشروع، فهو الهدى والنور، وما يعارضه ضلالٌ وظلماتٌ وجهالات، وهو الحق، وما يعارضه باطل.
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}، وأتى برسالة الله ونوره وهديه نقياً وخالصاً، سليماً لا تشوبه شائبة، {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت: الآية42]، وبلَّغ هذه الرسالة بأمانةٍ تامة، وبرعايةٍ عجيبةٍ من الله “سبحانه وتعالى”، ومن دون نقصٍ ولا زيادة، قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم: 3-4]، وحفظت هذه الرسالة في الوثيقة الخالدة المحفوظة وهي: القرآن الكريم، الذي حفظه الله للأجيال المتعاقبة كاملاً دون نقصان، وسالماً في نصه المبارك دون ضياعٍ ولا تحريف، وكما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: الآية9].
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}، وتحرك برسالة الله تعالى مبلغاً، وهادياً، ومجاهداً، وصابراً، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، كما قال تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[إبراهيم: الآية1]، {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}، عظيمٌ بعظمة الرسالة الإلهية، ومتمسكٌ بها، ومنطلقٌ على أساسها، وملتزمٌ بها، {جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}[الزمر: من الآية33]، {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ}[الأعراف: من الآية158]، على خُلُقٍ عظيم، {شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}، {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ}، في موقع الهداية والقيادة والقدوة والأسوة، حجةً لله على عباده.
{وَالَّذِينَ مَعَهُ}، وتعني الأتباع الحقيقيين الصادقين، الذين تتحقق في واقعهم هذه المواصفات، ويتميزون بها عن غيرهم من المنتمين والمدعين غير الصادقين، (مَعَهُ) إيماناً واتباعاً، (مَعَهُ) في منهجه، (مَعَهُ) في موقفه وفي مسيرته، وتشهد لهم هذه المواصفات: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ}، الكفار هم المحاربون للرسالة الإلهية، الصادون عنها، والمعارضون لها، وهم جبهة الشر، ومنبع الفساد، وحركة الضلال، هم الطاغوت المستكبر الذي يحارب مبادئ الرسالة الإلهية، وقيمها، وأخلاقها، ومنهجها الحق، وعدلها الذي يحتاج إليه الناس، وهم أولياء الشيطان الذين عن طريقهم يسعى لتصفية حسابه مع بني آدم، إنهم على النقيض من المبادئ الإلهية، ففي مقابل أنَّ الرسالة الإلهية تحرر الإنسان، فهم يسعون إلى استعبادهم، وفيما هي تكرِّمه، فهم يهينونه، وينحطون به عن المرتبة الإنسانية، وفيما هي تزكيه وتصلحه، هم يعملون على إفساده بكل الوسائل ويدنسونه، وفيما هي تقدِّم له العدل في مبادئها وقيمها وتعليماتها ومنهجها، فهم يظلمونه ويقهرونه، إنهم يتحركون في كل زمن، بكل ما أوتوا من قوة، وبكل إمكاناتهم، وبكل الوسائل ومختلف الأساليب لمنع الناس من الإتِّباع للأنبياء، وصدهم عن التمسك برسالة الله تعالى في تعاليمها ومبادئها القيِّمة، وبالذات فيما يخالف أهواءهم ورغباتهم ومطامعهم، ويحاولون بكل جهدهم تشويه الرسالة الإلهية وتحريفها.
والبدائل التي يقدِّمونها ويسعون لفرضها على الناس، هي بدائل ظلامية، ومضلة، وظالمة، وفاسدة، وهم على الدوام في موقع العدوان والتسلط والظلم؛ ولذلك فلا يتهيَّأ التمسك بالرسالة الإلهية، والالتزام بتعاليمها، والثبات على منهجها، إلَّا بالصمود في وجههم، والتصدي لعدوانهم وشرهم، ورفض إملاءاتهم، والتحرر من هيمنتهم، والامتناع من التبعية لهم.
وهم في موقع المعتدي، المحارب، المعاند، المستكبر، الساعي للسيطرة، والمحاول لفرض أهوائه بالجبروت، والخيارات تجاه سياساتهم ومؤامراتهم تنحصر بين القوة والعزة والثبات والشدة، أو الخنوع والذلة والاستكانة والتراجع، ولن تكون الذلة والدنية والخنوع خياراً إيمانياً، فالله تعالى يقول في هذا النص المبارك: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ}[الفتح: من الآية29]، ويقول في آيةٍ أخرى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: من الآية8]، ويقول تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}[المائدة: من الآية54]، إنَّ الشدة هذه تتجلى موقفاً قوياً صريحاً معلناً لا ضبابية فيه، وتتجلى ثباتاً وتمسكاً وإباءً وصلابةً، وتتجلى جهاداً وتضحيةً وصموداً مهما امتلك الطاغوت من وسائل الجبروت، وتتجلى تماسكاً واستمراراً وعزماً.
ثم يقول تعالى: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}[الفتح: من الآية29]، فهم رحماء؛ لأن شدتهم ليست عدوانيةً، ولا توحشاً، ولا نزعةً اجرامية؛ إنما هي حيث يجب أن تكون، وبمقتضى الحكمة والحق، وضوابط الأخلاق والقيم، وهي نابعةٌ من قوة إيمانهم، ومحبتهم للخير، وللمبادئ الإلهية ومكارم الأخلاق، ومن مقتهم للظلم والشر والفساد والإجرام.
أمَّا فيما بينهم فهم رحماء، وتتجلى هذه الرحمة في إحسانهم ومعروفهم، وفي تعاملهم، وفي اهتماماتهم، وفي علاقاتهم، في كلامهم وفي أفعالهم، وهذه الرحمة فيما بينهم هي عاملٌ من عوامل وحدتهم، وإخائهم، وقوتهم، وتماسكهم، ونجد القرآن الكريم يقدِّم هذه المواصفات في آياتٍ أخرى، مثل قوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[المائدة: من الآية54].
{تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا}[الفتح: من الآية29]، فهم خاضعون لله تعالى، يعبدونه ويعبِّدون أنفسهم له، ويخلصون في أعمالهم، فليست تحت سقف الأطماع الدَّنية، ولا الأهداف الشخصية، ولا الاستغلال الرخيص، بل كما قال تعالى: {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}[الفتح: من الآية29]، فهم قد توجَّهوا بآمالهم وبكل رغباتهم فيما يسعون للحصول عليه، والوصول إليه، إلى الله تعالى في فضله العظيم، وفي رضوانه الأكبر، وما يندرج تحت هذا العنوان من التفاصيل الكثيرة، وهم الشامخون، العالية رؤوسهم، الأعظم صلابةً من الفولاذ والحديد في مواجهة الأعداء، والخاشعون، الخاضعون، الساجدون لله تعالى رب العزة، وقد ارتسمت هذه المواصفات جليةً واضحةً في مسيرة حياتهم ومواقفهم، كما ارتسمت معالم السجود لله تعالى، والخضوع له في وجوههم، هكذا كانت مسيرة رسول الله “صلى الله عليه وآله” وأتباعه الحقيقيين الصادقين، وهكذا انتصرت في بدايتها، وهكذا تبقى في امتدادها الصحيح والصادق والأصيل، وهي قبل ذلك مسيرة الرسالة الإلهية لكل الرسل والأنبياء، في عنوانها واسمها العظيم وهو الإسلام، كما قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}[آل عمران: من الآية19]، وكما قال عن نبيه وخليله إبراهيم: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[آل عمران: الآية67]، وقال تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران: الآية68].
أمَّا طاغوت العصر المتمثل بأمريكا وإسرائيل، ومن يدور في فلكهم ويواليهم، فإنه امتدادٌ للاعوجاج عن الصراط المستقيم، وللانحراف عن الأنبياء ومنهجهم، وللتحريف للمبادئ والقيم والتعليمات الإلهية، إنها ولاية الطاغوت المستكبر، الذي يسعى للاستعباد لشعوب أمتنا، والسيطرة عليها، إنه الاعوجاج والانحراف والتحريف، الذي عمقه التاريخي هم المنحرفون عن نهج نبي الله موسى “عليه السلام” من بني إسرائيل، وتراكمت ظلماتهم وانحرافاتهم لتنحرف بالكثير فيما بعد عن نهج نبي الله عيسى “عليه السلام”، ثم فيما بعد عن نهج رسول الله محمد “صلى الله وسلم عليه وعلى آله”، ويجتمع اليوم هؤلاء بكلهم تحت الراية الأمريكية، يسعون في الأرض فساداً، وما [ماكرون] الرئيسي الفرنسي إلَّا دميةٌ من دمى الصهاينة اليهود، يدفعون به إلى الإساءة المعلنة إلى رسول الله “صلى الله عليه وآله”، وإلى الإسلام، ونظام الغرب الذي يستبيح الإساءة إلى الله تعالى، وإلى أنبيائه، ويمنع كشف حقائق اليهود الصهاينة، وفضح مؤامراتهم، ويعاقب على ذلك، ما ذلك كله إلَّا شاهدٌ واضحٌ على سيطرة اللوبي الصهيوني الكافر المنحرف المحرف على الأنظمة الغربية، والإعلام في الغرب، وتأثيره على الرأي العام في تلك المجتمعات إلى حدٍ كبير.
وإنَّ إعلان الموالين لأمريكا وإسرائيل عمَّا يسمونه بالتطبيع، وهو الخيانة والعمالة المعلنة، والاشتراك الواضح مع الأعداء في استهدافهم الشامل للأمة الإسلامية في كل المجالات، هو انحرافٌ مكشوفٌ عن تلك المواصفات القرآنية، حيث برزوا أشداء وبكل وقاحةٍ على المسلمين في إعلامهم ومواقفهم، وفي سياساتهم، وفي أعمالهم، وظهروا في حالةٍ من الذلة، والهوان، والخنوع، والتبعية لأئمة الكفر أمريكا وإسرائيل، يتجلى هذا بكل وضوح في موقف النظام السعودي، الذي فتح أجواء بلاد الحرمين الشريفين لليهود الصهاينة، ويغلق أجواء يمن الإيمان، ويحاصر شعب اليمن، ويعتدي عليه مستبيحاً للدماء، ومهلكاً للحرث والنسل بإشرافٍ أمريكيٍ مباشر، كما يتآمر على الشعب الفلسطيني، ويسجن ويظلم أحراره لا لشيء، إلَّا لموقفهم الحق ضد العدو الإسرائيلي، ويشترك مع الأمريكيين والإسرائيليين في مؤامراتهم على هذه الأمة في مختلف بلدانها، ومعه: النظام الإماراتي، وآل خليفة، وعسكر السودان، في خيانةٍ مكشوفة، وانحرافٍ واضح.
وفي هذا اليوم المبارك، وبهذه المناسبة العزيزة نؤكِّد على ما يلي:
أولاً: الاستفادة من هذه المناسبة المباركة لتكون منطلقاً لترسيخ المبادئ الإلهية، والهوية الإيمانية، وما يعنيه الانتماء للإسلام في التزاماتنا العملية والسلوكية، ونهضتنا الحضارية، وفي موقفنا من أعداء الرسالة الإلهية، وفي ترسيخ الولاء لرسول الله “صلى الله عليه وآله”، وترسيخ مفهوم الإتِّباع له، والاقتداء والتأسي به، كما قال الله “سبحانه وتعالى”: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: الآية21]، وأن يكون ذلك ضمن الأولويات على المستوى التعليمي والتثقيفي والتوعوي في التصدي للهجمة الشيطانية الخطيرة التي تسمى بالحرب الناعمة، وتستهدف أبناء أمتنا الإسلامية وشبابها على المستوى الفكري والثقافي والأخلاقي، بهدف السيطرة عليهم، وعلى بلدانهم ومقدراتهم.
ثانياً: نؤكِّد ثباتنا على موقفنا المبدئي الديني في مناصرة الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة، وحقه في الحرية والاستقلال، واستعادة المقدسات، وعلى رأسها الأقصى الشريف، وتحرير فلسطين كل فلسطين، وسائر الأراضي العربية المحتلة، وطرد العدو الإسرائيلي الغاصب الذي يشكِّل تهديداً للأمة الإسلامية، وللاستقرار والسلم على المستوى الإقليمي والدولي.
كما نؤكِّد ثباتنا على موقفنا ضد الطغيان الأمريكي، والسياسات الأمريكية الاستعمارية المعادية لأمتنا، والمتآمرة على شعوبنا، ونؤكِّد وقوفنا مع أحرار الأمة في محور المقاومة للتصدي لهذا الخطر الأمريكي والإسرائيلي، وتمسكنا بمبدأ الأخوة الإسلامية، ورفض كل مساعي التفرقة بين المسلمين، وإثارة الكراهية والبغضاء بينهم تحت العناوين الطائفية، والعرقية، والمناطقية، ورفض كل أشكال التطبيع والولاء لإسرائيل.
ثالثاً: نؤكِّد ثباتنا واستمرارنا في التصدي للعدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على بلدنا، كواجبٍ دينيٍ وإنسانيٍ ووطني، حتى تحقيق النصر- بإذن الله تعالى- في دحر تحالف العدوان، وتحرير ما احتله من بلدنا، وتحقيق الاستقلال التام لشعبنا كحقٍ مشروع.
وفي هذا السياق أدعو شعبنا العزيز إلى مواصلة رفد الجبهات بالمال والرجال، والعناية بكل ما من شأنه الإسهام في قوة وتماسك الجبهة الداخلية، والعناية بالزراعة؛ باعتبارها العمود الفقري للاقتصاد الوطني، والتعاون بين الجانب الرسمي والشعب في كل ما يساعد على الصمود والتماسك الاقتصادي، والعناية بالتكافل الاجتماعي، والاهتمام بالفقراء.
كما أدعو كل روَّاد ورجال الجبهة التوعوية، من: العلماء، والمثقفين، والخطباء، والمعلمين، إلى مواصلة جهودهم في التصدي لكل مساعي الأعداء التضليلية والمثبطة، وحربهم الناعمة المفسدة، والعناية المستمرة بالأنشطة التوعوية والتعبوية والتعليمية.
وأدعو رجال الجبهة الأمنية في الأمن والمخابرات، ووزارة الداخلية، الذين حققوا الإنجازات المهمة بتوفيق الله تعالى لهم في هذه الجبهة، إلى تكثيف جهودهم، وتطوير أدائهم في التصدي لكل مساعي الأعداء الإجرامية والتخريبية، التي تستهدف شعبنا العزيز في أمنه واستقراره، والتي كان من آخر مستجداتها: استهداف تحالف العدوان بعملية اغتيالٍ وحشيةٍ غادرة لشهيد الوطن وزير الشباب والرياضية الأخ الشهيد حسن زيد “رحمة الله عليه”.
أيُّها الإخوة والأخوات: نسأل الله تعالى أن يوفِّقنا وإيَّاكم للإتِّباع لنهجه الحق، والاقتداء بنبيه “صلى الله عليه وآله”، حتى تكون مسيرة حياتنا إلى حين لقاء الله تعالى مسيرةً إيمانية، غايتها رضوان الله وجنته، قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[البقرة: 285-286].
أشكر لكم هذا الحضور الكبير.
وأسأل الله أن يكتب أجركم، وأن يبارك فيكم.
والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛