البرنامج اليومي (القرآن الكريم هو أهم مصدر لمعرفة سيرة رسول الله صل الله عليه وآله)
برنامج رجال الله.
السيد حسين بدر الدين الحوثي.
آيات من سورة الكهف 10ـ12.
ننتقل إلى آية أخرى، وهي قول الله تعالى لنبيه (صلوات الله عليه وعلى آله): {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ} ماذا يعني: البخع؟ هو أن تقد بطنك بسلاح، هذا معنى البخع، يعني من شدة أساه، وأسفه، أن قومه ما رضيوا يهتدوا بهذا القرآن، ولا يستمعوا له، ولا يسيروا على هديه، من شدة أسفه.
ماذا يعني هذا؟ يعني أن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يعرف عظمة هذا القرآن، وهو إنسان رحيم بالناس، حريص على الناس، يحب للناس الخير إلى أقصى درجاته، حتى أولئك الأعداء الذين يواجهوه؛ لأنه عرف أنه رسول للعالمين، وما يزال الكثير من الناس معاندين، ومع هذا لشدة أسفه أنهم ما رضيوا يهتدوا يكاد أن يقتل نفسه لشدة أساه.
لاحظوا كيف موقفنا نحن، ما هناك أحد ممكن أنه يدفعه أسفه إلى أنه يتعاون بأبسط شيء من أجل القرآن فضلاً عن أن يقتل نفسه، أو ينطلق في عمل من أجل إعلاء كلمة هذا القرآن.
{إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ} أي بهذا الكتاب {أَسَفاً} عليهم؛ ولهذا أنه يجب علينا – إذا كنا متأسين برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) – أن ننطلق ولو بجزء، ونحن نحمل جزءاً من نفسيته، من اهتماماته، من إخلاصه، من حرصه، من صموده، من قوته.
فهنا يكشف لك نفسية رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؛ ولهذا كما نقول: إن القرآن الكريم هو أهم مصدر لمعرفة سيرة النبي، القرآن يعرِّفك حتى على مشاعر النبي، ونفسية النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، ومواقفه. فهو يعتبر من أهم المصادر للتعرف على رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).
القرآن الكريم أهم من كتب السير، كتب السير هي تتحدث عن أحداث تاريخية، أحداث، مثل: معركة كذا، كانت في يوم كذا، بتاريخ كذا، وأدت إلى كذا، في سنة كذا، و.. الخ.
{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}(الكهف7) هذه أيضاً قد تكون من العوائق بالنسبة لكثير من الناس، الذين لا يفهمون ماذا تعني الحياة الدنيا، وماذا تعني الحياة الآخرة، كمجموعة مظاهر، مما هي زينة في هذه الحياة، تشده أن يخلد إليها.
ينسى أن هذه الحياة هي فترة محدودة، وأنه قد يضيَّع بسبب الإنشداد النفسي إليها، قد يضيع الحياة العظيمة الآخرة، الحياة الطويلة، في أرقى نعيم، يضيِّع الجنة.
فهذه هي زينة لها في هذه الحياة، ويتمتع الإنسان بها في هذه الحياة، لكن لا يجوز أن تشكل عائقاً أمام الحياة الأخرى؛ لأن هذه ستكون خسارة، تتعمر ولو مائة وعشرين سنة، ولو مائة وعشرين سنة، في أرقى نعيم في هذه الدنيا، وبعدها تموت، وبعدها تدخل جهنم، ما هي تعتبر خسارة كبيرة؟.
لكن نتفهم ما هي الحياة هذه، إذا الناس فعلاً نظروا إلى هذه الحياة نظرة صحيحة، وواقعية تعيش، ومهما تمتلك في هذه الدنيا لا يعد بالإمكان أن يعيقك؛ لأنك ترى نفسك أمام حياتين: الحياة الدنيا هذه، والحياة الآخرة.
تفترض أنك في أرقى نعيم، أنك ملك لهذه الدنيا كلها، هي بيدك، أنك تعتبر خاسر، إذا كان تصرفك فيها بالشكل الذي يجعلك تخسر الجنة؛ لأن الجنة نعيم عظيم، ودائم ملايين السنين، مليارات السنين، ما تنقطع.
ولهذه التي هي من مظاهر الحياة، وزينة الحياة أيضاً لها دور هام في تبين من هو الأحسن عملاً {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} أحسن عملاً، أحسن إنتاجاً، أحسن في عمارته للحياة هذه، يعني: لها دخل في عمارة الحياة، لها دخل في إعلاء كلمة الله، في نشر دين الله.
أليس هذا شيئاً معلوماً، أن مظاهر الحياة هذه لها دخل في هذا الموضوع، أنت عندما تريد أن تتحرك في سبيل الله ما هو بيظهر أمامك حاجة إلى قائمة طويلة عريضة من مظاهر هذه الحياة؟ أنت تريد أموال، تريد أجهزة، تريد آليات، تريد أسلحة.
يظهر أمامك مجموعة أشياء من مظاهر الحياة، تكون محتاجاً إليها في التحرك لإعلاء كلمة الله، ونشر دينه، فمعنى هذا أن ما يمتلك الناس في هذه الدنيا، أن يفهموا أن له علاقة قوية بماذا؟ بإعلاء كلمة الله؟ بنصر دين الله؟ بأن يكونوا أحسن عملاً؟ وفعلاً من يتحركون في هذا المجال، هم أحسن عملاً في الدنيا، وللدنيا، وللآخرة. من يتحركون في سبيل الله؛ من أجل إعلاء كلمة الله.
يبتليهم هو {أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} يعني ما تنظر إلى ما عندك وكأنه مثل عندما [ينبذوا] للثور، الدنيا هذه ليست [نَبْذَة, نَبْذَة ثور] يأكل منها. حتى تلاحظوا بالنسبة للثور نفسه، عندما يأتي واحد يكلف امرأة تؤكّل الثور، ما هو يريد ليكون الثور أحسن عملاً؟ أو يقدم له [عَلَف]، ويتركه يأكل قليل ويرتاح، ويقدم له [عَلَف] جيِّد أليس من أجل أن يكون أحسن عملاً؟ عندما يكون يعمل عليه؟.
يجب أن نفهم أن الدنيا هذه إذا واحد فهم هذه الدنيا بشكل صحيح، لن ينشدّ إليها، لن ينشد إليها فعلاً، مهما ملك، ويمشيها بشكل صحيح {لنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} إذاً فتفهم بأن ما لديك من الممتلكات في هذه الدنيا، من مظاهر هذه الدنيا، أن المطلوب منك أن تتحرك بها، ومن خلالها؛ لتكون أحسن عملاً، يعني: ما هي [نَبْذَة] مثلما ينبذوا لدابة من الدواب، يأكل فقط.
وفي الأخير: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً}(الكهف8) في يوم من الأيام، بكل ما عليها من مظاهر، بكل ما عليها من أشياء، تصبح صعيداً، ما فيه أي شيء، لا نبات، ولا مطبات، هذا يوم القيامة.
{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً}(الكهف9) العلاقة ما بين أول السورة، تتحدث عن عظمة إنزال الله لهذا الكتاب باعتبارها نعمة كبيرة، ووعد أنه في واقع الحياة أن ليس هناك مطبات أمامه، وإنما من عندكم أنتم لا تتفهمون.
وأن ما تتصورونه بـأساً شديداً لدى الآخرين، أن البأس الشديد الذي يجب أن تخافوه هو من عند الله، وكيف كانت نفسية رسول الله لما كان مصدق بهذه الأشياء، قضية هامة، كما قلنا سابقاً: يجب أن تكون مصدق بما أنت تنطلق فيه؛ لتكون أكثر فاعلية، فاعلية رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، واهتمامه بلغ إلى هذه الدرجة {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ} يكاد أن يهلك نفسه، أن يطعنها لشدة أساه {إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً}(الكهف6) على أنهم لم يؤمنوا بهذا القرآن.
فالقرآن الذي لا يبدو عند العرب الآن له قيمة، ومستجيبين لأمريكا تعمل ما تريد، ولا كأن هناك قرآن! ولا كأن لهم علاقة بالقرآن! ولا كأنه يمثل شيء في حياتهم، تحدث عن دور مظاهر الحياة هذه كآليات، ووسيلة لأن يكون الناس أحسن عملاً، وعن نهايتها.
ولأن هذا موضوع عملي يضرب مثلاًً فيماً يتعلق بمجموعة من الناس انطلقوا في سبيله، وكيف كانت هدايته لهم، وكيف كانت رعايته لهم وثناؤه عليهم.
{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً}(الكهف9) من الآيات العجيبة، من أعجب الآيات التي تكشف رعاية الله، وعنايته بأوليائه، وثناءه على من ينطلقون صامدين في سبيله، آية لمن؟ آية لمن بعدهم، آية للناس. آية من آيات الله، تكشف لنا حقيقة، تعطينا عبرة، تعطينا رؤية، نحن المتأخرين من بعد أصحاب الكهف.
{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ}(الكهف10) فتية، مجموعة فتيان، {فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً} ودائماً ترى القرآن الكريم، كلما يتحدث، ويعرض أي نموذج من أوليائه، في أي مجال من مجالات أعمالهم، دائماً يكشف لك مشاعرهم، أنها ممتلئة بحب الله، والإنشداد إليه.
وهذه حالة هامة جداً، قضية هامة جداً، لاحظ هؤلاء: {فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً} لأن نسيان الله، نسيان الناس لله، نسيان الإنسان لله يكون لها آثار سلبية خطيرة جداً عليه، في دنياه وفي آخرته، ولا يتمكن ينهض بأي مسؤولية.
الإنسان الناسي لله، إذا ما كان مرتبطاً بالله، ومشاعره مرتبطة بالله، يظل دائماً ضعيفاً، مهما ملك، كضعف حكام العرب الآن، ما هم ضعاف، لديهم ممتلكات هائلة من الأموال؟ ولديهم أسلحة هائلة، ولديهم، ولديهم، لكن تراهم في أضعف موقف!.
{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً}(الكهف12) هذا موجز القصة، خلاصتها، ثم يقول في تفصيلها: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ}(الكهف13) مؤمنون بالله، ومنشدين إلى الله إنشداداً قوياً.
{فِتْيَةٌ} مجموعة شباب، {آمَنُوا بِرَبِّهِمْ}، ونحن ما كل واحد يدعي أنه مؤمن؟ لكن يوجد فوارق كبيرة جداً بين إيمان مجرد كلام، إيمان لا يحرك ساكناً في مشاعرك، إيمان ما يوجد لديك أي غضبة لله سبحانه وتعالى، هذا إنما هو مجرد عنوان إيمان، مجرد اسم. هؤلاء {آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}.
{وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ}(الكهف14) قوى قلوبهم، وهذه هي قضية عندما يقول عنها في المقدمة بأنها آية من آياته، آية لنا المتأخرين نعرف، ليعرف الناس أنهم إذا انطلقوا مؤمنين بالله بشكل صحيح، مؤمنين بالله بشكل جاد، فإن الله يقوي أنفسهم؛ لأنه هو الذي يتحكم في نفوس الناس.
هذه أيضاً تلغي أمامك كثيراً من التقديرات التي تحصل عند كثير من الناس، عندما يتحرك الناس في عمل، فيكونون في الأخير ينظرون أن ما معهم مشايخ كبار، وينظروا ما معهم علماء كبار كثير، ولا وجهاء، ولا تجار، فكأنهم يرون أنفسهم ضعافاً! لا، هنا يقول لك: أن الناس إذا انطلقوا بصدق فإنه يرفعهم هو سبحانه وتعالى، وفي الأخير ترى في يوم من الأيام أولئك الآخرين، الذين تراهم الآن كباراً، تراهم صغاراً، يصغرون فعلاً، يتهمشون، يضيعون.