كلمة السيد عبد الملك الحوثي في الذكرى السنوية للشهيد القائد 1442هـ 2021م
| محاضرات وخطابات السيد القائد | 26 رجب 1442هـ/ الثقافة القرآنية :-
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والأخوات: السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
والسَّلام والرحمة والبركات والرضوان على شهيد القرآن: السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله تعالى عليه”، والذي مهما قلنا عنه فلن نوفيه حقه، والذي يقدِّم صورةً عنه: هو المشروع القرآني العظيم الذي قدَّمه، وحمله، وحمل روحيته، وجسَّد مبادئه وأخلاقه وقيمه، فكان بحقٍّ قرآنياً في روحيته ومبادئه وأخلاقه ومواقفه، ثم كان شهيد القرآن، فكتب الله لمشروعه وجهوده وعطائه العظيم البقاء والنماء نوراً للأمة، وعزاً للمؤمنين، ونصراً للمستضعفين.
ولإدراك أهمية هذا المشروع القرآني، ينبغي أن نلحظ ظروف انطلاقته وتحركه، إضافةً إلى ما نعيشه ونعرفه في هذه المرحلة، التي هي بنفسها لا تزال امتداداً لتلك المراحل وتلك الظروف، ولا زلنا نعيش فيها نفس التحديات.
إنَّ المشروع القرآني ليس عبثياً، ولا بدافعٍ مصلحيٍ نفعيٍ شخصيٍ أو فئوي، كما هو حال الكثير من المشاريع الموجودة في الساحة الإسلامية، ومن ذلك في بلدنا اليمن، البعض قد يتحرك في إطار مشروع سياسي أو غيره، ولكن عادةً ما يكون ذلك: إما بدافع شخصي مصلحي نفعي، أو بدافع مصلحي نفعي فئوي: لفئة معينة، أو جماعة معينة، أو حزب معين، أو مجموعة معينة من الناس.
المشروع القرآني يختلف عن ذلك كله، هو نتاجٌ إيمانيٌ، وبمقتضى الواقع ومتطلباته، فالمنطلق فيه هو منطلق إيماني، وهو أيضاً بمقتضى الواقع، ومتطلبات هذا الواقع بما فيه من تحديات، وهو مشروعٌ إنقاذيٌ في مرحلةٍ من أخطر المراحل على الأمة، في ظل استهدافٍ شاملٍ من جانب أعدائها، وفي ظل وضعيةٍ داخليةٍ مطمعةٍ لهم، وفاتحةٍ لشهيتهم.
وعندما نقدِّم عرضاً موجزاً عن هذه الظروف التي انطلق فيها هذا المشروع القرآني، تعود بنا الذاكرة إلى عام ألفين ميلادية، عندما انتصر حزب الله في لبنان على العدو الإسرائيلي، وطرده من لبنان بصورةٍ مذلةٍ ومهينةٍ ومخزية، وهذا الانتصار العظيم هو انتصارٌ للأمة بكلها، وله تأثيره الكبير جداً على واقع المنطقة برمته، وتأثيره السلبي جداً على العدو الإسرائيلي ومن يقف خلفه من جانب، الذي هو الأمريكي والغرب بشكلٍ عام، إضافةً إلى تأثير هذا الانتصار العظيم والمهم والكبير في إحياء الأمل في شعوب الأمة الإسلامية من جانبٍ آخر، وتعزيز حالة المنعة في هذه الأمة، والتوجه نحو الاستقلال والحرية والكرامة؛ أدرك الأعداء أهمية هذا الانتصار العظيم ونتائجه، وتأثيره الكبير، وإمكانية أن يتحول إلى عاملٍ بنَّاء في صناعة متغيرات في المنطقة، تعزز حالة المنعة لدى الأمة، وتساعدها على الانفصال عن حالة التبعية لأعدائها، ومنع نفوذهم وتأثيرهم السلبي، والتصدي لمؤامراتهم ومكائدهم على هذه الأمة. وهذا بالتأكيد أزعج الأعداء جداً، فتحركوا لتفادي ذلك، ولتثبيت سيطرتهم بشكلٍ كامل على بلدان أمتنا وفق مخططٍ شيطانيٍ يحقق لهم جملةً من الأهداف:
أول هذه الأهداف: صنع حاجز نفسي وثقافي تجاه هذا النموذج الناجح، النموذج الذي يمثِّل حالةً مقاومةً شعبيةً ذات فاعلية وتأثير كبير تتمكن من الانتصار وتحقيق الاستقلال والحرية لشعبها، هذا أمر لا يريده الأعداء: لا يريده الأمريكي، لا يريده الغرب، ولا تريده إسرائيل، يريدون أن تبقى هذه الأمة في وضعية هشة وضعيفة فاقدة للأمل، ومستسلمة، وبيئة مفتوحة لمؤامراتهم ومكائدهم دون أي عوائق.
فلمَّا كان حزب الله في لبنان هو الذي قدَّم هذا النموذج: كمقاومة شعبية، ناجحة، فعَّالة، صنعت الانتصار، وحققت الحرية، ودحرت العدو؛ اتجه الأعداء إلى تشويه هذا النموذج على مستوى الدعاية الإعلامية، وعلى المستوى الثقافي من خلال التكفيريين، الذين حاولوا أن يصنعوا حاجزاً ثقافياً، وفي المقابل حاول الأعداء ربط الأمة الإسلامية بنموذج آخر فاشل وتحت سيطرة الأعداء، وفتنوي في داخل الأمة، وهو النموذج التكفيري.
كذلك تحقيق هدف آخر: وهو بعثرة الأمة من الداخل، إضافةً إلى ما هي عليه من تفكك وانقسام، لكنهم أرادوا أن يمعنوا أكثر في ذلك، وأن يجزئوا المجزئ، ويفرِّقوا المفرق بشكلٍ أكبر، فسعوا إلى بعثرة الأمة من خلال هذا المخطط من الداخل بالفتن، وفي مقدمتها: الفتن الطائفية، وتحويل بوصلة العداء كلياً من العداء لإسرائيل، والعداء للغرب واستعماره، والعداء الأمريكي في نشاطه الاستعماري، ومخططاته العدائية تجاه هذه الأمة، سعوا إلى تحويل بوصلة العداء إلى الداخل الإسلامي، تحت هذه العناوين الطائفية وعناوين أخرى، وفصل الأمة كلياً عن التركيز على عدوها الحقيقي، الذي هو العدو الإسرائيلي؛ تمهيد لما هو أسوأ من ذلك: للتطبيع كما سيأتي الحديث، ولتحقيق هدفٍ آخر: هو تشويه الإسلام والمسلمين، تشويه للإسلام كدين، وتشويه للمسلمين كأمة، والتشويه للجهاد كوسيلة تحرر ودفاع لحماية الأمة في دينها، وفي أرضها وعرضها ومقدَّساتها، ودينها ودنياها، وأيضاً للوصول إلى النتيجة التي يسعون للوصول إليها: وهي السيطرة الكاملة على الأمة بشكلٍ مباشر.
التكفيريون بمختلف تشكيلاتهم- التي بدأت بالقاعدة، ثم تفرَّعت عنها تشكيلات أخرى- كانوا هم الأداة الرئيسية لتنفيذ هذا المشروع، والغطاء الظلامي لذلك المخطط، واعتمد عليه الأمريكيون والإسرائيليون والغرب في صنع الذرائع، كما هو الحال في أحداث الحادي عشر من سبتمبر وغيرها، الذرائع التي يتحركون من خلالها، ويجعلون منها غطاءً لدخولهم إلى هذه الأمة؛ للسيطرة التامة عليها، ولاستهدافها الشامل.
وأيضاً لتصدر الواجهة، الأعداء أرادوا أن يتصدر التكفيريون الواجهة في الأمة، وكأنهم هم من سيظهر للقيام بمسؤولية حماية الأمة، والدفاع عنها… وعناوين أخرى، في الوقت الذي هم نموذج مصنوع خصيصاً لتحقيق السيطرة الأمريكية، ولذلك فهم يتحركون وفق الأهداف الأمريكية، وبما يحقق المؤامرات الأمريكية، فهم تحت السيطرة الأمريكية في نشاطهم وتحركاتهم، وعلى مستوى الانتشار: ينتشرون حيث تريد منهم أمريكا أن ينتشروا، والانكماش: ينكمشون متى أرادت منهم أن ينكمشوا، على مستوى بلد مثلاً: في العراق، أو في سوريا، أو في اليمن… أو في أي بلد من البلدان، أو في مصر… أو أي بلد من البلدان الإسلامية، أفغانستان، وفي الحالة التي تريد منهم الانكماش حتى على مستوى منطقة معنية، أو محافظة معينة، أو داخل بلد من البلدان، هم يتحركون بالريموت وفق المخططات الأمريكية والإسرائيلية.
وأيضاً بما يؤمِّن العدو الإسرائيلي، تحرك يتصدر الواجهة في الأمة، ويتجه ببوصلة العداء نحو الأطراف التي تريد أمريكا أن تتوجه بوصلة العداء إليها، مع التأمين الكامل لإسرائيل، ومن المعروف أنَّ القاعدة- بعناية أمريكية، وعناية من حلفاء أمريكا وأدوات أمريكا- ظهرت في الساحة الإسلامية وعلى مستوى أوسع من الساحة الإسلامية، على أنها تمتلك القدرة على الانتشار والتواجد في أي بلد من البلدان، وفتح معركة تستهدف فيها على المستوى الأمني، ثم فيما بعد ذلك على المستوى العسكري أي طرف من الأطراف: نظام، أو فئة، أو جماعة، أو كيان معين، أو مذهب معين، ولكن الحالة الاستثنائية التي خرجت عن كل هذا كان هو العدو الإسرائيلي.
القاعدة ذهبت إلى إيران، ونفذت جرائم في إيران، ذهبت إلى سوريا، ونفذت جرائم كبيرة جداً في سوريا، ذهبت إلى العراق، ونفذت جرائم في العراق، ذهبت إلى لبنان، ونفذت جرائم في لبنان، ظهرت في الخليج، ظهرت في مصر، ظهرت في دول المغرب العربي، ظهرت في اليمن، ظهرت في أفريقيا، في بلدان متعددة من أفريقيا، ظهرت في أوروبا، ظهرت كوحش يستطيع ويتمكن من الانتشار في أي بلد، بل في أي قارة من القارات، إلى أستراليا، إلى الصين، في أسيا… إلى بلدان أخرى، ولكن العدو الإسرائيلي يبقى هو الطرف الآمن تماماً من جانب القاعدة، فلا يناله منها شرٌ ولا ضرٌ، هذه فضيحة كبيرة، وشاهد دامغ جداً يكشف حقيقة القاعدة، تجلى طبعاً فيما بعد في أحداث سوريا مستوى التحالف والتعاون المباشر ما بين القاعدة والتكفيريين بمختلف تشكيلاتهم والعدو الإسرائيلي، وفيما بعد تجلى بشكلٍ معلن، وصريح، وواضح، وتبنٍ مكشوف: العلاقة ما بينهم وبين الأمريكي.
من الأهداف التي تحققها هذه الأداة: تدمير بلداننا في عالمنا الإسلامي، مع إثارة الفتن وتشويه الإسلام، تدمير هذه البلدان، وتدمير كيانات هذه البلدان، وتجزئتها إلى حدٍ كبير. يوازي هذا التحرك من جانب التكفيريين بهذه الطريقة، ولتحقيق هذه الأهداف، يوازي هذا التحرك تحركٌ أمريكي، ومعه التحالف الذي نظَّمه على المستوى الغربي والشرقي، تحرك أمريكي بعناوين أخرى مخادعة للشعوب بشكلٍ عام، ولشعوب أمتنا الإسلامية على وجه الخصوص: عنوان مكافحة هذا الإرهاب الذي صنعته أمريكا ونشرته في الساحة الإسلامية، وتحرِّكه بشكلٍ يتسق تماماً مع مخططاتها ومؤامراتها وبدقة، وفي كل التفاصيل والجزئيات، يأتي الأمريكي يتحرك بعنوان مكافحة الإرهاب، وكأنه سيحمي هذه الشعوب هو من ذلك الإرهاب الدموي الوحشي الإجرامي، وعناوين أخرى مثل: عنوان الديموقراطية، وحقوق الإنسان، والحرية… وهكذا تأتي هذه العناوين، فيوازي تحرك التكفيريين بكل تشكيلاتهم: القاعدة وداعش وغيرها من التشكيلات، بهمجيتهم، ووحشيتهم، وإجرامهم، وبشاعتهم، وسوئهم، يوازي ذلك تحرك أمريكي بعناوين انقاذية، وعناوين جذَّابة ومخادعة لشعوب هذه الأمة، وهذا جزءٌ أساسيٌ في المخطط الأمريكي والغربي، وتكون الساحة الإسلامية بشكلٍ عام ساحة مفتوحة لهذا المخطط، التكفيريون من جهة، والأمريكي وراءهم من جهة أخرى، والساحة الإسلامية الساحة المفتوحة أمام هذين الطرفين، ووفق الأولويات والبرامج والخطط الأمريكية في بقية التفاصيل، في بقية التفاصيل، هناك تفاصيل كثيرة لا يتسع الوقت للحديث عنها.
فالأمريكي والغربي بشكلٍ عام مع الأمريكي والإسرائيلي في ظلهم، من الركائز الأساسية لمخططهم: أن يكون بغطاء، وأن يلقى قابلية لدى شعوب أمتنا، وأن تُهَيَّأ له ظروف النجاح بأقل كلفة ممكنة، ومن جوانب متعددة؛ أما غايته: فهي السيطرة المباشرة على الأمة إنساناً وأرضاً وثروات، بعد الوصول بها إلى مستوى الانهيار التام.
هذا المخطط هو يستهدف الأمة كلها، وليس هناك استثناءات لبلدان معينة من بلدان أمتنا الإسلامية؛ إنما هناك أولويات وطرق متفاوتة، هناك ترتيبات لدى الأمريكي من يبدأ به ومن يؤخِّره؛ إما للاستغلال في البداية، كما يفعل ما دول الخليج، دول الخليج ليست بمنأى عن الاستهداف الأمريكي لها، ولكنه أجَّل ذلك؛ ليبدأ أولاً بعملية الاستغلال لها في ظل استهدافه لبقية دول وبلدان أمتنا، كما يفعله مع البعض منها بوضوح الآن، ويجعلها تتصدر تنفيذ مؤامراته ومخططاته، فالبعض يؤجِّلهم للاستغلال أولاً والاستفادة منهم بشكلٍ أو بآخر، وبمستويات متفاوتة، هو يحدد الأدوار وفق كل مرحلة، أو وفق كل مهمة، حتى على مستوى المهام، لهذا دور، ولهذا دور، ولهذا دور، وهذا في مستوى، وهذا مستوى… وهكذا يفعل.
أو البعض يؤجِّلهم؛ لأنه يرى في الدخول في معركة مباشرة معهم صعوبةً كبيرة، فقد يؤجِّلهم على مستوى مثلاً الاجتياح العسكري، لكنه- في نفس الوقت- يستهدفهم اقتصادياً، يستهدفهم اعلامياً، يستهدفهم سياسياً… يستهدفهم بوسائل وأساليب كثيرة جداً، واليمن- كبلد من بلدان هذه الأمة- هو من البلدان المستهدفة في المقدمة، كان الأمريكيون يتحدثون، البعض من المسؤولين الأمريكيين والإعلام الأمريكي كانوا يصنفوا اليمن على أنها البلد الثالث المحتمل ما بعد أفغانستان والعراق، وهذا جرى الحديث عنه في أمريكا من مسؤولين من مختلف المؤسسات الأمريكية، وأيضاً إعلامياً جرى الحديث عن ذلك، صنِّف اليمن على أنه الهدف الثالث المحتمل ما بعد أفغانستان والعراق، وشيء بديهي أن يكون اليمن محط تركيز في المقدمة، هناك تركيز على المنطقة بكلها، فما بالك باليمن! وهناك تركيز على اليمن لموقعه الاستراتيجي، وأهميته الكبيرة، وتركيز على شعبه؛ لأن الاستهداف والسعي للسيطرة هو سعي للسيطرة على كل شيء: السيطرة على الإنسان، السيطرة على الأرض، السيطرة على الثروة، السيطرة على الموقع، معروف أين موقع اليمن وما يمثله من أهمية استراتيجية عالمية، بالنظر إلى موضوع باب المندب، والبحر الأحمر، والبحر العربي، وموقعه في الجزيرة العربية… وما إلى ذلك، موقعه على المستوى العام، التركيز على الشعب كذلك، استغلال هذا الشعب، التركيز على الثروات في هذا البلد، أحد السفراء الأمريكيين السابقين قال: [أنَّ اليمن لا تزال بكراً]، يعني: ما تزال ثرواتها موجودة بشكل خام وكبير لم تستثمر بعد، ولم تستغل بعد، وقال: [إنَّ أمريكا ستسعى لأن تفتضها]، يعني: تستغلها، وتسيطر عليها، وتستحوذ عليها، عبَّر هكذا بصراحة يعني، والصراحة راحة. فاليمن كان في مقدِّمة البلدان المستهدفة بالتأكيد.
والاستهداف الأمريكي لبلدنا- كما هو لبقية بلدان هذه الأمة- استهداف خطير وشامل، إذا قرر شعبٌ ما أن يتجاهل هذا الاستهداف، وأن يتنصل عن مسؤوليته في التصدي لهذا الاستهداف، فمعناه: أنه اتخذ قراراً بالاستسلام، والاستسلام يعني الخسارة لكل شيء: الخسارة للحرية، وللاستقلال، وللكرامة، الاستسلام يعني العبودية للأمريكي والإسرائيلي، يعني: تحويل البشر ومقدراتهم وإمكاناتهم في خدمة مصالح الأمريكي والإسرائيلي، هذه كارثة، كارثة في الدين والدنيا، أمر شنيع جداً، رهيب جداً، أمر يشذ عن الفطرة الإنسانية، أمر لا تتقبله كل الشعوب الحرة في هذا العالم، حتى من غير المسلمين، هناك بلدان وهناك شعوب رفضت بشكلٍ قاطع السيطرة الأمريكية عليها، والاستعباد لها، هناك ما حصل في قصة فيتنام، ما حصل في قصة كوبا، ما حصل في قصة كوريا الشمالية، ما حصل في دول في أمريكا اللاتينية مثل: فنزويلا… وغيرها، بلدان كثيرة، شعوب حرة بفطرتها الإنسانية رفضت السيطرة الأمريكية، والاستعباد، والإذلال، والهيمنة، والمصادرة للشعب والثروات والمقدرات والجغرافيا، رفضت ذلك.
نحن كشعبٍ يمنيٍ بهويتنا الإيمانية وانتمائنا للإسلام، ونحن أيضاً جزءٌ من هذه الأمة المستهدفة، لكن لبلدنا حصته من هذا الاستهداف الذي هو استهداف شامل.
طبعاً سنتحدث في إطار العناوين عن هذا الاستهداف الشامل الكارثي المدمر، الذي له غاية خطيرة جداً، ولكننا سنسعى للاختصار؛ لأننا لو دخلنا في شرح التفاصيل، والدخول في كثيرٍ من الشواهد، لطال بنا الحديث، ولتأخرنا كثيراً، فسنحرص على الاختصار، وسندع للإخوة في الإعلام: الإعلام الرسمي عندنا في صنعاء، وقناة المسيرة أيضاً، والإعلام الوطني، والإعلام الذي يتخذ موقفاً حراً تجاه الاستهداف الأمريكي للأمة، سندع لهم الفرصة للعناية فيما يتعلق بالشواهد في كل عنوان من هذه العناوين:
في مقدِّمة هذا الاستهداف: هو الاستهداف العسكري؛ بهدف السيطرة عسكرياً، مثلما حصل مثلاً: أمريكا اجتاحت آنذاك العراق عسكرياً، قبله اجتاحت أفغانستان عسكرياً، فهي تجتاح بعض البلدان بشكل اجتياح عسكري، وبعض البلدان لا تحتاج في السيطرة العسكرية عليها إلى عملية اجتياح، بل تخضِع السلطة في ذلك البلد، أو المكونات الموجودة في ذلك البلد إلى القبول تلقائياً بالسيطرة العسكرية الأمريكية، وحينها تقوم أمريكا بإنشاء قواعد عسكرية لها، تختار لها أهم الأماكن الاستراتيجية في البلد، التي تضمن لها السيطرة العسكرية، وهذا ما حصل بالنسبة لليمن، السلطة خضعت وأذعنت ووافقت على أن تفتح البلد للسيطرة العسكرية بهذه الطريقة: من خلال التواجد العسكري الأمريكي تحت عنوان تدريب الجيش، فأتى الأمريكيون بأعداد كبيرة باسم مدربين، وباسم مستشارين، ثم بقواعد عسكرية، وصل الحال في سنوات معينة أن أصبح لهم قاعدة عسكرية في وسط صنعاء، بجوار السفارة الأمريكية، بجوارها قاعدة عسكرية لهم، وكانوا يتجهون إلى التوسع في ذلك، يعني: اتفقوا على قاعدة عسكرية أمريكية في العند، ويبدأ الأمريكيون وفق أسلوبهم المعروف بالتدريج، ثم يتزايد انتشار قواعدهم؛ حتى يضمنوا السيطرة الكاملة على المستوى العسكري على البلد بكله، فكان لديهم برنامج طويل عريض ليسيطروا من خلاله على اليمن بكله عسكرياً من خلال تلك القواعد العسكرية.
ليس هذا فحسب، السيطرة العسكرية من جانبهم هي تتجه أيضاً للسيطرة على الجيش، ليس فقط السيطرة بإنشاء قواعد موزعة بشكل مدروس عسكري، إنما تتجه للسيطرة على الجيش نفسه تحت عنوان التدريب، ثم بعد ذلك تحت عنوان الهيكلة… وما إلى ذلك، تتم عملية شراء ولاءات ضباط الجيش، وكبار قادته، والتأثير عليهم، والأخطر من ذلك: تغيير العقيدة القتالية للجيش، وتحديد من هو العدو وفق السياسة الأمريكية، وليس وفق الانتماء الوطني والهوية الإيمانية للجيش، وليس وفق التحديات المخاطر الحقيقية على البلد، بل وفق ما يخدم أمريكا، يتحول من تعاديه أمريكا وإسرائيل هو العدو، ويتوجه العداء بشكل رئيسي إلى الداخل، وعلى المستوى الإقليمي وفق الرؤية الأمريكية والإسرائيلية، كما هو الآن ظاهر يعني في كثير من بلدان شعوبنا العربية.
أيضاً استغلال الجيش كأداة في اليد لتنفيذ عمليات عسكرية تقي الجانب الأمريكي تقديم الخسائر في جنوده وضباطه، فيمكن أن تدفع بالجيش ليخوض أي معركة، ويكون هو من يقدِّم الخسائر الكبيرة، ويبقي الأمريكي من هناك يعد الخطط، ويقدم التعليمات والتوجيهات…إلخ.
من ضمن السيطرة العسكرية: التحكم في القدرات العسكرية، وتحديد ما يسمح باقتنائه للجيش، وما لا يسمح، مثلاً: اتجهوا عندنا في اليمن إلى تجريد الجيش من كل الإمكانات والقدرات للتصدي لأي هجوم خارجي، ومن ضمن ذلك: الدفاع الجوي، ودمَّروا صواريخ ومعدات معينة للدفاع الجوي، ومن ضمن ذلك: القوة البحرية اضعفوها حتى أوصلوها إلى نقطة الصفر، ومن ضمن ذلك: بدأوا برنامجاً للسيطرة على الصواريخ وتدميرها، الصواريخ بعيدة المدى، التي يمكن أن يتصدى بها اليمن لأي عدوان خارجي، وبدأ البعض من المسؤولين يتحدث أنه: [لا حاجة لأي قدرات لمواجهة خطر خارجي أو عدو خارجي؛ إنما يتم الاكتفاء بما يتم التصدي به لأي شيء في الداخل]. وهذا موثق أيضاً إعلامياً.
من أيضاً أشكال السيطرة العسكرية التي حرصت عليها أمريكا: استباحة البلدان الإسلامية بشكل عام، وهذا حصل عندنا في اليمن عسكرياً، وإتاحة المجال وفتح المجال أمام الأمريكي لتنفيذ أي ضربات عسكرية: سواءً جوية أو برية، في أي منطقة داخل ذلك البلد أو ذلك البلد، في أي محافظة، في أي مديرية، في أي مكان، وحوَّلوا الموضوع إلى عادي، يضرب الأمريكي من يشاء، متى يشاء، وأين يشاء، استباحة عسكرية، ومعنى هذا: انتهاك للحرية والاستقلال والكرامة، هذه شواهد وعناوين للسيطرة العسكرية، هناك تفاصيل كثيرة تتعلق بها، نأمل- إن شاء الله- أن يعتني بها الإخوة في الجانب الإعلامي، يمكن أن ينتجوا الكثير من البرامج، ويقدموا الوقائع والحقائق، وأن يستفيدوا من الارشيف الرسمي، والارشيف الصحفي.
مع السيطرة العسكرية السيطرة الأمنية، السيطرة الأمنية تتم من خلال السيطرة على الأجهزة الأمنية، حدث عندنا في اليمن أن سيطروا على الأجهزة الأمنية كافة، وأنشأوا جهازاً جديداً آنذاك هو الجهاز المعروف بالأمن القومي، تحت تصرفهم المباشر، وسيطروا على الكثير من العناصر في الأجهزة الأمنية؛ ليشتغلوا كجواسيس لهم ولخدمتهم.
أضف إلى ذلك السيطرة على الوضع الأمني في البلد، يتحكمون هم في السياسة الأمنية، في الإجراءات الأمنية، في كثيرٍ من تفاصيل الوضع الأمني، بما يساعد على نشر الفوضى، والانفلات الأمني، وانتشار الجرائم، وكذلك الاغتيالات، وهذا لوحظ في الساحة اليمنية، ولوحظ بشكل متزايد، يعني: كان كلما زادت السيطرة الأمريكية على الدولة، وعلى مؤسساتها، وعلى أجهزتها الأمنية، وكلما نشط الأمريكيون في ذلك بخطط ببرامج تحت عناوين تقدَّم بشكل إيجابي، ولكن الواقع يختلف؛ كانت حالة التسيب الأمني تزداد، الفوضى تزداد، الانفلات الأمني يزداد، وتيرة الاغتيالات تزداد… وهكذا.
نشر القاعدة، وكان هذا ملحوظاً بشكل كبير جداً، في البداية قال الأمريكيون: [هناك خمسة من القاعدة في اليمن]، خمسة أشخاص! وأتى الأمريكيون تحت هذا العنوان، ثم قاموا بنشرهم إلى مختلف المحافظات، حتى إلى داخل صنعاء، حتى إلى الحي الذي تتواجد فيه السفارة الأمريكية كانوا يتواجدون بشعاراتهم وبشكل علني، وفي محيط صنعاء أصبح لهم معسكرات، منها: معسكر في أرحب… ومعسكرات في مناطق أخرى، وتواجدوا في عمران، وفي أطراف صعدة، وتواجدوا في مناطق من حجة، وتواجدوا في مناطق الجوف، ومناطق مأرب، هيَّأت لهم بيئة عجيبة للانتشار بشكل كبير، وكان من الواضح جداً أنَّ أمريكا تهيِّئ لهم هذا الانتشار، وترعاه من خلال الأجهزة الرسمية التي سيطرت عليها، وتهيِّئ لهم الظروف.
أيضاً مما تستهدف أمريكا فيه أمتنا، واستهدفت فيه شعبنا: السيطرة على القرار السياسي، وعلى العملية السياسية، : التدخل والتحكم بسياسات الدولة داخلياً وخارجياً، تتحكم في السياسة الخارجية للدولة، وفي علاقاتها الخارجية، وفي مواقفها الخارجية، لهذا شواهد كثيرة جداً، والسياسات الداخلية أيضاً، في أمور كثيرة، سنأتي أيضاً إلى تفاصيل أكثر، والسيطرة على القرار السياسي في البلد.
أيضاً السيطرة على برامج الدولة، والتدخل في عمل الوزراء والمسؤولين، وفرض إملاءات عليهم، وهذا كان يتم بغطاء إعلامي حتى يعني، الإعلام يغطي لقاءات السفير الأمريكي والمسؤولين الأمريكيين مع مختلف الوزراء، والتي هي لقاءات غير عادية، لقاءات من يأمر، من يفرض، من يلزم، من يوجِّه، من يقرر، من يتدخل في شؤون أعمالهم، في تفاصيل مسؤولياتهم.
أيضاً السيطرة على العملية السياسية، وحتى عندنا مثلاً في اليمن سعوا إلى هذا: السيطرة على العملية السياسية، وإدارتها بما يساهم على صناعة وضعٍ مأزوم، وجوٍ تنافسي على التقرب من أمريكا وإسرائيل بتقديم عروض وخدمات وتنازلات أكثر، فنجد كيف سعى السفير الأمريكي ومن معه من المسؤولين، ومن يأتي أحياناً من المسؤولين من أمريكا، إلى أن يكون لهم علاقة وارتباط مع كثير من الأحزاب والمكونات في البلد، وأن يصنعوا- وفق هذه الطريقة- جواً تنافسياً بين الكل، من يتقرب منهم أكثر، من يلتجئ إليهم، من يسعى للاحتماء بهم، من يسعى للاستقواء بهم.
كان التجمع اليمني للإصلاح يحاول أن يستقوي بالأمريكيين على المؤتمر، ويحاول المؤتمر- كذلك- أن يستقوي بهم عليه، ويحاول البعض من الأحزاب هنا، والبعض المكونات هناك أن يفعلوا كذلك، ولكن بأي ثمن؟ بتقديم التنازلات التي تمس بالسيادة الوطنية والاستقلال والكرامة، وحتى تمس بانتمائهم الإيماني، وقيمهم، وأخلاقهم، ومبادئهم، الشواهد كثيرة جداً، التفاصيل كثيرة جداً، إن شاء الله يهتم الإخوة في الإعلام لتقديمها، وهذه كانت مسألة خطيرة جداً، إفساد للعملية السياسية التي يجب أن تكون محكومة بما يحقق المصلحة الحقيقية والفعلية للشعب بشكلٍ عام، ويعزز حالة الإخاء والتعاون بين أبناء البلد بما فيه الخير، وما فيه مرضاةٌ لله “سبحانه وتعالى”، وأن تبقى أيضاً محكومةً بالمبادئ والقيم والأخلاق الإيمانية؛ باعتبار الانتماء لهذا البلد، ولكن الذي حصل هو ما ذكرناه، وهذا أمر مؤسف!
وأيضاً كان من نتائجه: أنَّ ذلك الوضع الذي فيه تنازع كبير، وشحن، وتعقيدات ما بين المكونات، وتنافس حاد جداً، والأمريكي يتقن هذه اللعبة، يتقن هذه اللعبة بشكل كبير، هو على النحو الذي يحول دون نجاح أي طرف من الاطراف، أو حزب من الأحزاب، أو مكون من المكونات لأن يقدِّم شيئاً فيه خدمة حقيقية ومصلحة حقيقية لهذا البلد؛ لأن كل طرف كان يسعى لإفشال الطرف الآخر حتى لما فيه مصلحة لهذا البلد، حالة من الشحن والجو التنافسي الشديد والحاد.
أيضاً يدخل ضمن هذا الاستهداف الشامل كما قلنا: السيطرة على التعليم؛ بهدف السيطرة الثقافية والفكرية، واحتلال العقول والقلوب، والسيطرة على التوجهات، هذا أخطر أشكال الاحتلال، وأسوأ أشكال السيطرة: السيطرة على الإنسان في ثقافته، في فكره، وكان من خلال السيطرة على التعليم والإعلام.
السيطرة على التعليم: حرصوا على السيطرة على المناهج الدراسية، وبدأ الأمريكي يتدخل في صياغة هذه المناهج، وفي مضامينها، وفيما يبقى، وفيما يحذف، وبدأ مشواراً خطيراً ولمَّا يكمل في هذا المشوار الخطير جداً، والتركيز على المعلمين والمعلمات من خلال نشاط يستهدفهم في إطار دورات معينة؛ لإفسادهم، ولتضليلهم، ولتشغيلهم بما يخدم الأهداف الأمريكية؛ حتى يكونوا منابع للضلال، وفي التركيز على الطلاب من خلال المعلمين والمناهج، ومن خلال أنشطة وبعثات خاصة تستهدف البعض من الطلاب، ونخب من الطلاب الأذكياء، والتفاصيل أيضاً هنا سنحيلها إلى الإخوة في الجانب الإعلامي؛ لكي لا يطول بنا الحديث جداً.
مما سعى له الأمريكيون: السيطرة على الخطاب الديني والمساجد، سعوا في التركيز على المساجد، وأن يعمم عليها خطاب معين، وأن يكون الخطاب الديني سواءً في المسجد، أو في المدرسة، أو في الإعلام، أو في… بكل أشكاله ووسائله، أن يكون محكوماً بموجهات معينة تخدم الأمريكي، وكان لهم أنشطة وبرامج من خلال الجهات الرسمية، ومن خلال منظمات اشتغلوا من خلالها لتحقيق هذا الهدف.
وأيضاً وصل بهم الحد في سعيهم للسيطرة على الخطاب الديني إلى محاربة القرآن الكريم نفسه، وهذا أمر خطير للغاية، وسيء جداً، ومن السيء جداً السكوت عنه، لقد حاولوا أن تحذف نصوص من القرآن الكريم في المناهج المدرسية، أن تزال عن المناهج المدرسية، الآيات التي تتحدث عن الجهاد، الآيات التي تتحدث عن أعداء الأمة وخطورتهم، الآيات التي تعزز روح الاستقلال لدى الأمة، والحرية، والكرامة، والعزة… وهكذا، حرصوا على حذفها من المناهج المدرسية، حتى أنهم حذفوا من المنهج الابتدائي سورة الكافرون، وبعض السور كانوا يحرصون على حذفها، وأيضاً تغييب مثل هذه الآيات القرآنية في الخطاب الديني في المساجد، في خطب الجمعة، في الوسائل الإعلامية التي تقدم فيها برامج دينية…إلخ.
أضف إلى ذلك: سعيهم لتقديم مفاهيم محسوبة على الدين وليست منه؛ إنما يهدفون من خلالها إلى تدجين هذه الأمة لأعدائها، مثلاً: قدَّموا عنوان (القبول بالآخر) ليكون مفاده: القبول بالأمريكي يحتلنا، ويدوسنا، ويظلمنا، ويقهرنا، ويستعبدنا، وينهب ثرواتنا، ويحتل أرضنا، والقبول بالصهيوني اليهودي الإسرائيلي الذي هو عدو ليصادر فلسطين يصادر فلسطين بالكامل، وليتآمر على أمتنا، وليفسد في أمتنا، وليظلم في أمتنا، وليعبث في أمتنا، فكان هذا هو هدفهم من عنوان (القبول بالآخر)، وليس التعايش في إطار بلدان هذه الأمة، التعايش كان حالة قائمة في إطار بلدان هذه الأمة، سواءً في اليمن، أو في العراق، أو… لم يكن يخرِّبه إلَّا التدخل الخارجي من أعداء الأمة.
سعى الأمريكي من خلال سيطرته على الخطاب الديني لصنع قالبين شكليين يقدِّمهما كمعبِّرين عن الإسلام: القالب والشكل الأول: هو التكفيريون، ولهم دور، ولهم عناوين، ولهم… تحدثنا في بداية الكلمة عن ذلك. والقالب والشكل الآخر: هم المنبطحون، الذين يروِّجون للسيطرة الأمريكية، ولتمييع الأمة، ولترسيخ حالة الاستسلام، ويروِّجون لمفاهيم- كما قلنا- من مثل عنوان (القبول بالآخر)، والذي يعني القبول بالأمريكي يحتل، وبالإسرائيلي كذلك يصادر فلسطين، ويظلم الشعب الفلسطيني، ويصادر حقوق هذه الأمة ويظلمها…إلخ. وكان هناك أنشطة وبرامج واهتمامات واسعة في هذا السياق، لا يتسع الوقت للدخول إلى التفاصيل.
سعى الأمريكي أيضاً للسيطرة على القضاء، مع أنَّ القضاء كان لا يزال مدهوراً، ولكنه سعى لأن يدهوره أكثر، سعى للسيطرة على أنظمته، قوانينه؛ بما يضيع العادلة، وبما يفقده دوره المأمول لإحقاق الحق، وإقامة العدل، وخدمة الشعب، وسعى لاستقطاب بعض القضاة ليكونوا ضمن التوجهات الأمريكية، فكان له لقاءاته، برامجه، أنشطته، اتفاقاته، التي هي موثقة بالصوت والصورة كما يقولون.
سعى للسيطرة على الإعلام والإعلاميين بدءاً بالإعلام الرسمي، وأصبح الإعلام الرسمي يقدِّم كل الأنشطة الأمريكية التي تهدف إلى السيطرة على هذا الشعب، التي هي تدميرية، هدَّامة، خطيرة، تقديمها بشكل مختلف آخر، وكأنها لهدف خدمة هذا البلد، ولمصلحة هذا البلد، ولتقوية هذا البلد، كل مشروع تآمري، كل خطة تدميرية في أي مجال من المجالات كان الإعلام الرسمي يقدِّمها بشكلٍ آخر وعناوين أخرى مخادعة.
امتد هذا إلى خارج الجانب الرسمي، إلى بعض الصحف، إلى بعض الإعلاميين، إلى بعض الكتَّاب، وأصبحوا يروِّجون للأمريكي، وللسيطرة الأمريكية، ويقدِّمون ذلك وفق ما يخدم أمريكا، ويسعون أيضاً في الأنشطة التخريبية والهدَّامة والفتنوية والسيئة على كل المستويات بما يخدم السياسة الأمريكية، إضافةً إلى أدائهم الإعلامي ضد من يعارض الهيمنة الأمريكية، ويسعى للتصدي لهذه الهجمة الشاملة، يتحدثون عنه بكل الافتراءات وبكل ما يشوهه.
سعى الأمريكي للسيطرة على الاقتصاد، وكان هذا واضحاً في السياسات الاقتصادية التي دفع النظام أكثر وأكثر إليها، مع أنَّ النظام لم يكن ناجحاً على المستوى الاقتصادي، ولم تكن له أهداف مهمة على المستوى الاقتصادي، لكن الأمر زاد سواءً مع التدخل الأمريكي وسعي الأمريكي للسيطرة الكاملة، اعتمد النظام الرأسمالي بشكلٍ كلي، اعتمد على القروض الربوية الخارجية المرهقة للبلد، والتي توظَّف في مجالات ليس فيها دعم للاقتصاد الوطني، واعتمد سياسات البنك الدولي التدميرية، التي يتضرر منها الشعب بشكل كبير جداً، وتوسع مساحة الفقر، وتحمل المواطنين الأعباء فوق الأعباء.
سعى الأمريكي ومعه من معه من المتحالفين إلى السيطرة على الثروة النفطية والغازية في البلد، إلى درجة أنه أفقد هذا الشعب الاستفادة منها، وأفقدها أثرها الاقتصادي، إلى درجة أنَّ الوضع الاقتصادي للشعب ما قبل استخراج النفط في البلد، كان أفضل مما بعد استخراج النفط في البلد، الوضع الاقتصادي للمواطنين، الواقع المعيشي للمواطنين كان قبل استخراج النفط أحسن، بعد استخراج النفط كان النظام يتحدث عن نهضة اقتصادية وثروة، ويقدم الوعود والآمال لهذا الشعب، لكن الذي يجري أنَّ الذي استفاد بشكل كبير من تلك الثروة هي الشركات الأمريكية والغربية، وبقي هذا الشعب بائساً ومعانياً. الشركات تلك دخلت بصفة الاستثمار، ولكن بشكل سيء جداً، مجحف بهذا البلد، بغبن كبير لهذا الشعب، وأصبحت هي الرابح الأكبر من الموارد النفطية في البلد والموارد الغازية، الرابح الأكبر، والشعب يحصل على شيء تافه من هذه الثروات، عائد محدود، وحتى عندما تباع له، تباع بأسعار غالية ومرتفعة، ولا زال الحال كذلك إلى اليوم.
وأيضاً من أشكال ومظاهر هذه السيطرة على الاقتصاد: ترسيخ مفاهيم خاطئة عن البلد في موارده الاقتصادية وثرواته البرية والبحرية، والنظام لم يقصِّر، كان يشتغل في ذلك وفق الطريقة التي تخدم أمريكا؛ لإقناع الشعب أنَّ هذا بلد فقير في موارده، لا يمتلك موارد اقتصادية، مع أنَّ لديه الموارد النفطية والغازية الواعدة، ولديه الزراعة ثروة ضخمة جداً وواعدة، ويمكن أن يهتم بها، ويطورها، ولديه الثروة الحيوانية، مورد ضخم وكان بالإمكان تقويته، وتطويره، والعناية به، ولديه- أضف إلى ذلك- الثروة البحرية الضخمة. على كلٍّ سعى الأعداء إلى الشغل، وحتى اقتنع أكثر أبناء البلد بهذا.
مما حرص عليه وكان قائماً، ولكنه زاد بشكل أكبر، وتماشى معه النظام في ذلك بشكلٍ تام: الاعتماد على الاستيراد الخارجي لكل شيء، توجه التجار بتشجيع من النظام إلى الاستيراد لكل الأشياء، لكل الاحتياجات في البلد من الخارج، وتوقفوا عن التوجه للإنتاج الداخلي، حتى لأبسط الأشياء، فمن [الملاخيخ]، إلى الصلصة… إلى كل احتياجات الحياة من: المأكولات، والمشروبات، والملابس، والاحتياجات المنزلية… وكافة الاحتياجات، اتجهوا إلى بتشجيع وتهيئة للاستيراد الخارجي، وفتح مجال كبير وإعراض كلي عن الإنتاج الداخلي، بل وضرب المنتج الداخلي، ضرب المنتج الداخلي، وكان هذا بشكل ملحوظ ومتسارع، وتعطلت زراعة القمح، وضُرِب انتاج البن، وتضرر الشعب في ذلك إلى حدٍ كبير.
من السياسات الاقتصادية ومظاهر السيطرة على الاقتصاد: أنهم عملوا على نشر المخدرات والترويج لها، ولا يزالون يفعلون ذلك، من ضمن ذلك: أنهم حولوا الزكاة إلى الموارد العامة، وأدخلوها في الموارد العامة والميزانيات العامة بعيداً عن مصارفها الشرعية، وهي ركن عظيم من أركان الإسلام، وله أهداف مهمة ومقدسة عظيمة، ومصارف محددة شرعاً، من ضمن ذلك: أنهم خصخصوا القطاعات العامة والخدمات الأساسية في: الصحة، والتعليم… وأشياء أخرى، والتفاصيل كثيرة، والكلام يطول.
من ضمن ما سعى له الأمريكيون في الاستهداف لهذا البلد ولهذا الشعب، ويفعلون ذلك على مستوى الأمة الإسلامية بكلها: السعي لنشر الفساد الأخلاقي والرذيلة؛ بهدف ضرب الروح المعنوية والأخلاق، وتمييع وإفساد الشباب والسيطرة عليهم، والتدمير للنسيج الاجتماعي الذي بنيته الأساسية هي الأسرة، في هذا الاتجاه أنشأوا وشغَّلوا شبكات واسعة للدعارة بالآلاف، أنشأوا وشجَّعوا على إنشاء ملاهي ليلية للفساد، بدأت آنذاك في تلك المراحل بدأت في صنعاء، وبدأت في عدن، وبدأت في بعض المحافظات، وكانت إلى ازدياد مستمر، أوعزوا حتى إلى الفنادق بالتغاضي عن كل حالات الفساد.
من ضمن ذلك: الترويج للتبرج والسفور، والاختلاط الفوضوي، والعلاقات المحرمة الخاصة بين الجنسين، وفي هذا السياق لهم أنشطة كبيرة جداً، نشطوا في المدارس، نشطوا في الجامعات، نشطوا في معاهد تعليم اللغة الإنجليزية واللغات الأجنبية، اشتغلوا في ذلك شغل كبير جداً، روَّجوا لذلك بعناوين مخادعة، مثل عنوان (الحرية)، أسوأ وأقبح تفسير للحرية أن يقدموا معناها بالدعارة وشرب الخمر، هذه الحرية عند البعض، أعوذ بالله! وسعوا من خلال ذلك أيضاً إلى نشر الإيدز، وروَّجوا لذلك، وأصبح مرض الإيدز وهذا العنوان من العناوين المنتشرة والشائعة، وأنشأوا لذلك منظمات موازية، وجمعيات موازية لينتشر الفساد وينتشر معه الإيدز؛ لتدمير صحة الشباب، ولنشر الأوبئة والأمراض.
مما سعى له الأمريكيون أيضاً: الترويج للخمور والمخدرات، سيما بين المسؤولين، وأصبح آنذاك الكثير من المسؤولين يتعاطى شرب الخمر، والبعض يتعاطى المخدرات، وبين الشباب ورجال المال والأعمال، كانوا يستهدفون البعض من رجال المال والأعمال بهذا: بالخمور، ويفسدونهم بذلك، وبالفساد الأخلاقي، هدفهم يعني من الخمور، والمخدرات، ونشر الرذائل، والفساد الأخلاقي: ضرب الإنسان في هذا البلد وفي الأمة بشكلٍ عام، ليتحول إلى إنسان رذيل، تافهة، مجرم، يفقد الروح المعنوية والأخلاق والقيم الفطرية والإنسانية، يفقد العفة، والطهارة، والشرف، والغيرة، والحمية، والكرامة، والإنسانية، يتحول إلى إنسان مريض نفسياً، موبوء أخلاقياً، يتحول إلى إنسان مخمور، سكران، مصاب بالإيدز، تافه، لا يطمح لأي شيء مهم في هذه الحياة؛ يسيطرون عليه بكل بساطة.
حرصوا أيضاً على الاستهداف الصحي، من ضمن ذلك: الاستهداف بالإيدز؛ لأن هدفهم من نشر الفساد الأخلاقي ليس ليرتاح الشباب والشابات، هناك في الحلال ما يكفي ويفي في ذلك، ولكن هدفهم: تدمير الروح المعنوية والأخلاقية والصحة العامة بالإيدز والأوبئة الأخرى، وأيضاً كانوا يعملون على توزيع مواد غذائية وطبية، ومواد طبية أيضاً، ومعدات طبية ملوثة، بعضها ملوث لنشر الإيدز، بعضها ملوث لنشر السرطان، بعضها ملوث لنشر فيروس الكبد… وأمراض أخرى، أمراض وأوبئة أخرى، وهناك تفاصيل تحدثت عنها آنذاك بعض الصحف، وانتشر الخبر عنها، وعُرِف ذلك رسمياً أيضاً، هذا أيضاً سنتركه للإخوة في الجانب الإعلامي، الله يعينهم.
الاستهداف هو استهداف شامل على المستوى الرسمي والشعبي، هي تستهدف الكل: المسؤول والمواطن… وكل فئات ومكونات الشعب، وأيضاً هناك أنشطة اتجهت إلى الواقع الشعبي بشكل مباشر، وكانت خطيرة جداً، منها: سعى الأمريكيون لتعزيز الانقسامات في هذا البلد- كما يفعلون في بقية البلدان، بلدان أمتنا الإسلامية- بكل العناوين: المناطقية، وبدأت وتيرتها تزداد أكثر فأكثر في ظل أنشطتهم، واهتماماتهم، وخططهم، ومؤامراتهم، والمذهبية والعنصرية، اشتغلوا على هذا بشكل كبير.
سعى الأمريكيون إلى الفرز الاجتماعي: شباب لحالهم (لوحدهم)، والمطلوب أن يكون هناك تشكيلات شبابية لوحدهم، وأن يكون هناك تحسيس للشباب أنهم لوحدهم بمعزل عن بقية الناس، وعن بقية المجتمع، نساء، وأتى عنوان المرأة، وحقوق المرأة، ونضال المرأة، وكفاح المرأة، وجبهة المرأة، ومعركة المرأة، هناك بمعزل لوحدها، حتى الأطفال بدأوا ينشطون في هذا الاتجاه؛ لفرز مسألة الأطفال، وعنوان هناك لوحده، وتسييس ذلك، يعني: يتحول هذا التقسيم فرز اجتماعي في البداية، وخصام اجتماعي وحقوقي، يتطور إلى فرز سياسي، فيقولون: [يجب أن يمثَّل الشباب لوحدهم في العملية السياسية والحوارات السياسية، وأن تمثَّل المرأة لوحدها في العملية السياسية والحوار السياسي]… وهكذا، مع أنَّ التكوين لهذا البلد كما هو حال بقية المجتمع البشري : أسرة، فيها رجال ونساء، وكبار وصغار، وذكور وإناث…إلخ. لكن هكذا؛ لتفكيك الكل حتى داخل الأسرة الواحدة، يشعر الشاب أنه لوحده، عليه أن يناضل ضد أبيه الذي أصبح طاعناً في السن، والمرأة هناك لتناضل ضد أبيها أو أخيها أو ابنها… وهكذا، والحضاري أكثر، والمتطور أكثر: هو الأكثر اهتماماً بذلك، وعنايةً بذلك، وتشدداً في ذلك، وشعاراته نشطة، سخافة يعني سخافة.
سعادة المجتمع هي سعادة شاملة للأسرة بكلها، للرجال والنساء، الواقع الاجتماعي هو واقع مترابط، إذا هضم الرجل؛ هضمت المرأة، إذا هضمت المرأة هي وضعية الرجل فيها مهضومٌ في الأغلب، وبالذات في ظل المؤامرات الأمريكية؛ لأنهم يهضمون الكل: رجالاً ونساءً، ويظلمون الجميع، كما هو الحال في فلسطين وغير فلسطين.
أيضاً مما سعى له الأمريكيون: العناية بإنشاء وتفريخ منظمات كثيرة بعنوان منظمات المجتمع المدني، والبعض منها ذات أدوار سلبية، وعناوين وأنشطة ذات تأثير سلبي في الواقع المجتمعي الأخلاقي والإيماني والاجتماعي، وتؤثر على الاستقرار المجتمعي، ثم تسييس ذلك، وعندما تأتي الحوارات السياسية والعملية السياسية، يقولون: [يجب إشراك منظمات المجتمع المدني]، ألم تكونوا أنشأتم تلك المنظمات باسم أنها ذات مهام غير سياسية؟ فلماذا يصبح دورها سياسياً عند الحوارات السياسية؟! لماذا؟ لأن الهدف بعثرة المجتمع إلى أنهى مستوى، تقسيم المجتمع وفرزه وبعثرته، وتفريخ مكونات كثيرة، وبعثرة، وتشتيت عجيب جداً، لو أمكن لهم أن يشتتوا كل أسرة لفعلوا، وحصل فعلاً، بعض الأسر تشتتت.
السعي أيضاً لاستقطاب الوجاهات، وبدأ الأمريكيون يركِّزون على وجاهات القبائل واستقطبوا البعض منهم، والبعض عن طريق أدواتهم الإقليمية تم استقطابهم، أكثر من ذلك: سعى الأمريكيون– بما في ذلك في اليمن- إلى إنشاء ديانات وأقليات وتسييس ذلك؛ لتضييع سيادة الإسلام، بدأوا يقدِّمون اليهودية على أنها أقلية في اليمن، يجب أن تتساوى كلياً في أمر الدولة وأمر البلد مع المسلمين، ثم أتوا بالأحمدية والبهائية والملحدين، وسعوا إلى الإتيان بالمزيد والمزيد، ثم يجعلون الكل في مستوى واحد؛ لإضاعة سيادة الإسلام في هذا البلد، وهذا البلد مسلم، مع أنه كان يتعايش مع الأقلية اليهودية التي كانت موجودةً في البلد، ولكنهم لا يريدون التعايش، أكثر من التعايش يريدون انتزاع سيادة الإسلام، وتقليص الانتماء الإسلامي؛ محاربة للإسلام وللانتماء للإسلام بنفسه.
من أنشطة الأمريكيين الخطيرة جداً التي استهدفوا الشعب بها: أنهم بذلوا كل جهد لتجريده من سلاحه، اليمن يتوفر فيه السلاح للشعب، وبالذات السلاح الخفيف والمتوسط بشكل كبير، وهذا أمر إيجابي جداً، أمر إيجابي للغاية، الأمريكيون آنذاك بذلوا جهداً كبيراً، وتحركوا بحملة إعلامية وثقافية ومالية، تحرك فيها النظام معهم بكل جهد لسحب السلاح الخفيف والمتوسط، وقاموا بحملات لشراء السلاح من مختلف الأسواق التي تبيعه، ومن المواطنين، مع نشاط إعلامي دعائي لتشويه اقتناء السلاح: [أنك إذا توفر لك في منزلك سلاح خفيف أو متوسط فأنت إنسان متخلف جداً، غير متحضر نهائياً]، تطورت هذه الحملة في كل مساراتها: على المستوى الدعائي، وعلى المستوى التثقيفي، حتى أنهم مما حاربوه الزي اليمني هذا: الثوب والكوت والشال، وشجَّعوا جداً الطلاب، النخب، السياسيين على أن يلبسوا البنطلون والزي الغربي، لماذا؟ لكي يتركوا لبس الخنجر اليمني؛ لأنه ما بيناسب يلبسه على البنطلون، قال: [خلاص يعني، البس لكل بنطلون لا عاد تلبس…]، حتى الخنجر كانوا قلقين منه، وشنوا عليه حملات دعائية، الجنبية! حتى أنا مما اطلعت عليه آنذاك في بعض الصحف: حملات دعائية وتتجه إلى أنه حتى الصميل لا ينبغي أن يقتنيه الإنسان اليمني، الصميل: نوع من العصي الكبيرة المعروفة شعبياً، بمعنى: لا تقتني بندقاً كلاشنكوف أو غيره، لا تقتني سلاحاً متوسطاً، لا تقتني الخنجر، لا تقتني حتى الصميل، كن متجرداً من كل وسيلة للدفاع عن نفسك وللحماية، ونشطوا في هذا، وأتى تمويل سعودي آنذاك، أموال من السعودية لهدف شراء أكبر كمية من السلاح، ركزوا على هذا الموضوع جداً، النشاط التثقيفي التعليمي الإعلامي كان نشيطاً في ذلك، تسبب هذا طبعاً في ارتفاع أسعار السلاح، وتشويه هذه المسألة جداً، مع أنهم- الأعداء الأمريكيون، الإسرائيليون… وغيرهم- يسعون لاقتناء أفتك الأسلحة، وأكثر أنواع الأسلحة خطورة، بل في أمريكا نفسها يقتني الشعب الأمريكي السلاح، وهناك محلات في أمريكا لبيع السلاح من المواطن الأمريكي، وهذا بالنسبة لهم أمر معروف جداً ونشط، ومن أهم الأمور بالنسبة لهم.
العدو الإسرائيلي لديه نشاط للتعبئة العسكرية، والتدريب العسكري، والبناء العسكري، والتصنيع العسكري، واقتناء السلاح حتى السلاح النووي، وبناء الواقع الشعبي بناءً عسكرياً، وتعبئةً عسكريةً شاملة، حتى لمن يعتبرهم مواطنين من المستوطنين، يعني: وهم كلهم مستوطنون أعداء محتلون.
على كلٍّ اتجهوا عندنا بطرح آخر كمسلمين وكشعب يمني؛ تمهيداً للسيطرة التامة علينا في الوقت الذي نكون فيه قد فقدنا كل عناصر القوة، وكل وسائل القوة على المستوى المعنوي والمادي، وعلى مستوى السلاح الإيماني والسلاح العسكري، هذا جانب.
ولكن مضاف إلى كل ذلك: الأمريكي لا يفكر فيما يتعلق به فقط، الأمريكي في كل سياساته الرئيسية التي تتجه إلى بلداننا في العالم الإسلامي، دائماً يحسب حساب إسرائيل، ومصلحة العدو الإسرائيلي، وخدمة العدو الإسرائيلي؛ ولذلك كان إلى جانب هذه الأنشطة والاستهداف الشامل في كل هذه المجالات: اهتمام أيضاً بخدمة إسرائيل في وضع اليمن، كما هو في حال بقية البلدان بالتأكيد.
سعى الأمريكي إلى فتح مسار للعدو الإسرائيلي لنفوذه في هذا البلد– كما في غيره- وللتطبيع معه، الأمريكي عنده اهتمام بالموضوع الإسرائيلي اهتمام كبير جداً، جزء من خططه الأساسية، جزء من اهتماماته الرئيسية، كان من أخطر ما حرصوا عليه آنذاك وعملوا لتنفيذه: السعي لتجنيس الصهاينة اليهود، بمعنى: أنَّ يجنِّسوا كل اليهود الذين أصبحوا صهاينة مستعمرين في فلسطين، محتلين في فلسطين، وكان ذهابهم من اليمن إلى فلسطين بالآلاف ويزيدوا عليهم، ويزيِّدوا عليهم، كانوا يزيِّدوا خيرات، بالذات شخصيات نوعية ذات مهام خطيرة، فيصبح لدى الصهيوني اليهودي الإسرائيلي المحتل جنسية يمنية، له بناءً عليها أن يأتي إلى اليمن ويفعل في اليمن كل ما يريد كمواطن يمني، ويحظى بكل الحقوق التي للمواطن اليمني: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية… وكافة الحقوق، ويتشغل هناك في فلسطين في إطار الكيان الإسرائيلي والعدو الإسرائيلي كإسرائيلي محتل ضمن ذلك العدو، وضمن ذلك الكيان المحتل، وهذه كانت قضية خطيرة للغاية؛ لأنهم يريدون أن يفتحوا هذا البلد للصهاينة ليأتوا فيفعلوا فيه كلما يريدون، ويتحركوا فيه بكل ما يشاؤون على كل المستويات وفي كل المجالات، وكل ما يفعلونه سيكون فيما يخدمهم، يقوِّي نفوذهم، يعزز من سيطرتهم، ويضر بأبناء هذا الشعب، ويظلم أبناء هذا الشعب، ويصادر حقوق أبناء هذا الشعب، ويساعد على سيطرتهم على اليمن، فتكون سيطرة أمريكية إسرائيلية مشتركة، هذا كان أمر كارثي، لهذا ما يثبته ويشهد له.
التمهيد ثقافياً وإعلامياً للتطبيع، وتحت أيضاً عنوان السياحة والاقتصاد، بدأت بعض الأقلام تكتب، حتى أنَّ البعض كتبوا: [أنَّ أصل اليمن يهود من أيام سليمان]، نسوا أنَّ ملكة سبأ قالت: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[النمل: من الآية44]، لم تقل أنها: [تيهودت]. أسلمت: إسلام، وأيضاً تحت عنوان السياحة والاقتصاد كان هناك مسارات يخططون لها، كان هناك لقاءات من بعض كبار المسؤولين بقادة ومسؤولين من الصهاينة، كان هناك نشاط وتنسيق عبر الجالية اليهودية في أمريكا، فالمسألة كانت خطيرة جداً؛ لأنها كانت ستمكِّن الإسرائيليين من السيطرة على هذا البلد.
في مقابل كل هذا التحرك الواسع الأمريكي والإسرائيلي الوضع الداخلي في البلد كان رديء أصلاً، وفيه الكثير من المشاكل والظروف المعروفة، أيضاً كان هناك الدور الرسمي متماهي ومتقبل لكل هذا، ومنسجم معه، وفاتح له كل الأبواب والنوافذ، وكثير من القوى السياسية والنخب كانت: إما صامتة ومستسلمة، وإما متماهية وتتجه لتكون جزءاً من أدوات خدمة هذه المؤامرات والمخططات.
المحصلة لذلك: لو استمر كل هذا النشاط، كل هذا التحرك في كل هذه المجالات، بدون أي عائق، الباقين: إما ساكتين، وإما جزء من أدوات تنفيذ هذه المشاريع والمخططات، لكانت المسألة خطيرة جداً؛ لأن الأمريكي يتحرك بما يمتلكه من إمكانات هائلة، وقدرات ضخمة، وخبرات عالية، والإسرائيلي كذلك، لإفساد هذا الشعب وتدميره، واستهدافه في كل هذه المجالات، لو استمر كل هذا التحرك مع العصا والسوط، والضربات العسكرية، والاغتيالات، وكسب الولاءات، وتزييف الثقافات، لو استمر كل هذا التحرك الشامل من دون أي عائق، هل كان سيبقى اليمن يمن الإيمان والحكمة؟ لكان لليمن شكلٌ آخر ووجهٌ آخر، ولكانت المحصلة لكل هذا النشاط في كل هذه المجالات: هي الوصول بهذا البلد، الوصول بهذا الشعب إلى الانهيار في كل شيء: سياسياً، واقتصادياً، وأمنياً، وأخلاقياً، والتمزق الشامل، وهذا يسهل للعدو السيطرة الكاملة والناس في أسوأ وضع وفي أضعف حال، هذا ما كان يريده الأمريكي: أن يصل بالناس إلى أسوأ وضع وأضعف حال، وأن يفقدهم كل عناصر القوة، وكل عناصر الوحدة، وكل عناصر التجمع، كل عناصر الأخوة، كل عناصر التماسك، أن يبعثرهم ويمزقهم.
في إطار هذه الحملة وهذه الهجمة وهذا الاستهداف الشامل أتى المشروع القرآني، تحرك السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” في وقتٍ مبكر، قبل أن يستفحل الخطر ويتعاظم جداً، قبل أن تصل الأمور إلى مستوى الانهيار، كان البعض يقترحون آنذاك أن: [انتظروا حتى يكتمل كل شيء، ثم تحركوا، لا تتحركوا الآن، لا تقولوا من الآن: الموت لأمريكا، خلوا الأمريكي يبدع يدخل إلى البلد، ويحتل كل مكان، ويسيطر سيطرة كاملة، ويفسد هذا الشعب، وينفذ كل تلك المؤامرات، فإذا أكمل]، (أكمل) يعني ودا كل شيء، [فأتوا لتتحركوا]، أي منطق هذا، أي منطق! يعني: هذا كان من مظاهر الضياع، مظاهر الضياع منطق كهذا.
أتى المشروع القرآني وهو نتاج الانتماء الإيماني، يعني: هناك مؤمنين يحسون بمسؤوليتهم بدافع إيماني، أنه لا يجوز لهم أن يسكتوا تجاه هذا الشر، تجاه هذا الخطر، تجاه هذا الفساد، تجاه هذا المنكر، تجاه هذا الخطر الكبير جداً الذي يجعل الأمة تخسر كل شيء، ويجعل شعبنا يخسر كل شيء: حريته، كرامته، استقلاله، أمنه… كل شيء يخسر، دينه ودنياه، هناك من دفعهم انتمائهم الإيماني للتحرك، لديهم إحساس بالمسؤولية أمام الله “سبحانه وتعالى”، لديهم وعي بمتطلبات المرحلة، لم يكن هذا المشروع عبثياً، ولم يكن مجرد افتعال مشكلة، المشكلة موجودة كبيرة جداً، مشكلة أمريكا وإسرائيل.
هذا المشروع كان حاجةً ومسؤولية، وله مميزات عظيمة، نتحدث عن بعضٍ منها باختصار؛ لأن الوقت طال بنا شيئاً ما:
أولاً: ينسجم مع الهوية الإيمانية للشعب، والأمة بشكلٍ عام، وهو كلمة سواء: مشروع قرآني، ينطلق على أساس القرآن الكريم، شعبنا ينتمي للإيمان، يؤمن بالقرآن أنه كتاب الله المقدس، أنه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أنه كتاب هداية، كما قال الله عنه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء: من الآية9]، أنه كما قال الله عنه: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ}[المائدة: من الآية16]، أن فيه الهداية الشاملة والكافية.
فإذاً من الطبيعي أن يكون هذا المشروع العظيم مشروعاً مستساغاً، البعض أتوا بمشاريع من خارج الأمة، من خارج هويتها، من بلدان أخرى لها هوية أخرى واتجاهات أخرى، وحاولوا أن يفرضوها على الأمة رغماً عنها، وكم صنعت من مشاكل في واقع الأمة، هذا ليس كذلك، هذا مشروع قرآني، ينسجم مع الهوية الإيمانية للشعب والأمة، كلمة سواء بين كل المسلمين، لا يخص مذهباً معيناً، ولا عرقاً معيناً، ولا فئةً معينة، ولا محافظةً معينة، ولا فئة اجتماعية معينة، ولا… هذا لكل المسلمين، بل هدىً للعالمين، وكلمة سواء يجتمع عليها المسلمون.
2- يمثل صلةً بالله تعالى: التمسك به يجعلنا على صلةٍ بالله، نحظى بتأييده، بمعونته، بنصره، برعايته… بكل ما وعد به نتاج ذلك، كما أن له أهمية معنوية عالية وهو مصدر لطاقة إيمانية هائلة، وهذا من متطلبات مواجهة تحدي بهذا الحجم الأمريكي والإسرائيلي، وبتلك الهجمة الشاملة والاستهداف الشامل.
3- ضرورة للوعي الديني، وللوعي الشامل، في مقابل التضليل: لأن هناك تضليل لخدمة أمريكا بالعنوان الديني، مثلما يفعله التكفيريون، وبالعنوان الديني مثلما يفعله المنبطحون المستسلمون لأمريكا المروجون لسيطرتها على الأمة بعناوين دينية، فالوعي الديني من خلال القرآن الكريم ضروري جداً للسلامة من تضليل التكفيريين والمنبطحين المستسلمين، وللوعي الشامل؛ لأن فيه تقييم كبير عن الأعداء ومؤامراتهم ومخططاتهم، عن كل عوامل القوة، وعوامل الضعف، عن أسباب النهضة… إلى كل ما نحتاجه في إطار الوعي الشامل.
4- القرآن الكريم شامل في عملية التحصين الداخلي على كل المستويات: يعني وعي، بصيرة، فهم، تزكية للنفوس، تربية على المستوى الأخلاقي راقية جداً، تعبئة قوية جداً، والتحصين الداخلي للأمة هو أكبر متطلبات الموقف، أكبر متطلبات هذه المعركة؛ لأنها تتجه إلى الاستهداف الداخلي، القرآن يصنع هذه الحصانة القوية جداً، والتحصين الراقي جداً، وعلى مستوى الوعي، والأخلاق، والإحساس بالمسؤولية.
5- كانت الخطوات العملية في إطار هذا المشروع القرآني حكيمة، جمعت بين التحصين الداخلي، التعبئة المعنوية، وفضح العدو في عناوينه المخادعة، وركَّزت على الجماهير وعلى حشد الطاقات بشكلٍ عام: مشروع لكل المجتمع، فليس خاصاً بفئة معينة، أو بمذهب معين، أو… لكل المجتمع، مشروع قرآني، وخطوات عملية ميسرة، بدأت بالهتاف بالشعار.
الهتاف بالشعار كان يعبر عن موقف، كان يحصِّن الساحة الداخلية، كان يرفع المعنويات، كان يعتبر الخطوة الأولى في إطار التحرك في هذا المشروع، يهيئ الإنسان ذهنياً ونفسياً للخطوات الأخرى، يوجه تركيز الإنسان وبوصلة العداء في الاتجاه الصحيح، أيضاً يفضح عناوين الآخرين: عناوين الديمقراطية التي تغنى بها الأمريكي، فلم يتحمل هذا الهتاف، ولم يطق هذا الهتاف وهذا الشعار، ووجه النظام للتصدي له بالسجن، والقتل… وبكل أشكال الاستهداف. يفضح العدو في عناوين أخرى.
الحديث عن الشعار عادةً ما نتحدث عنه في أسبوع الصرخة، البعض بذلوا كل جهد في التقليل من أهميته، ولا يزالون يغضبون منه جداً، ويتألمون جداً، بعضهم يصاب بالدوار والصداع، والبعض بالغضب والانفعال الشديد عندما يسمعه… مع أن عباراته كلها عبارات ممتازة وجميلة، وليس فيها إساءة إلى أحد من أبناء الأمة الإسلامية، ومنطقية، ومعبرة، ومفيدة، وهادفة، ولكن أقول للبعض الذين حاولوا أن يقللوا من قيمته وأهميته: لو كان كما تتصورون: ليس له قيمة، وليس له أهمية، وليس له إيجابية، وليس له تأثير، لما حورب كل تلك المحاربة، لما منع بذلك الشكل، بل لأحب الأعداء أن نستفرغ جهداً فيما لا قيمة له، فيما لا تأثير له، لفتحوا له المجال كاملاً؛ لأنهم يرغبون أن ينشغل الناس بشيء لا قيمة له، بل يحبون أن يركز الناس على شيءٍ لا قيمة له، فلما واجهوه، لما منعوه، لما حاربوه كل هذه المحاربة، كانوا يقتلون، يقتلون في مراحل معينة من يجدون معه اللاصق الذي فيه الشعار، بعد الحرب الأولى كانوا يفعلون ذلك، يقوم بإعدامه فوراً بالرصاص، ملأوا السجون. على العموم المقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية…إلخ.
أيضاً يحشد كل الطاقات، يحرك الجماهير، ليس منظمة محصورة، وليس فئة محصورة: المعتوه بومبيو عندما قدم تصنيفه لأنصار الله بعنوان منظمة، ثم يقول عنها إرهابية، أنصار الله في اليمن ليسوا منظمة، ليسوا منظمة، هم أمة، هم جماهير، هم تحرك شعبي واسع جداً، ليسوا مهيكلين مؤطرين في إطار عضوي محدد مؤطر، حتى عندما بدأ السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” بالتحرك لم يفتح مراكز تسجيل، وعضوية، وحصر للمسجلين، وهيكلة لهم، وتأطير لهم، وكشوفات، وسجلات، وبطائق، وتحرك أشبه ما يكون بالتحرك الذي تتحرك به منظمات أو أحزاب سياسية. لا، قدم مشروع، تحرك فيه الجماهير، كلٌ يتحرك بمستوى وعيه، بمستوى التزامه، بمستوى تفاعله، بمستوى مصداقيته، يتحرك في إطار المواقف الذي تضمنها هذا المشروع العظيم، عندنا فعلاً آليات منظمة، آليات تنظم عملنا، لكن لسنا منظمة بالشكل الذي يقولونه، حتى عنوان أنصار الله هو عنوان قرآني يعبِّر عن الاستجابة العملية لتوجيهات الله “سبحانه وتعالى”، والتحرك وفق منهجية القرآن الكريم، ليس اسماً حزبياً، ولا اسماً لمنظمة، عنوان قرآني، البعض قد يصدق عليه؛ لأنه ينطلق بكل جدية ومسؤولية، بمستوى وعيه، إيمانه، مصداقيته، تفاعله، البعض قد يختلف حاله عن ذلك، البعض قد يتراجع، البعض قد يستمر، البعض على درجة عالية من العطاء والتضحية والمصداقية والاهتمام… حالة متفاوتة.
فعنوان انطلق فيه من مختلف المذاهب في بلدنا، ومن مختلف التوجهات السياسية، ومن مختلف الأحزاب، من مختلف الفئات المجتمعية والمكونات، انطلق فيه، وهم يفهمون ذلك، وحتى اسم الحوثيين ، هو ليس تسمية نطلقها على أنفسنا وليست منا، هذه تسمية يسمينا بها البعض من الأعداء والبعض من الأصدقاء، لا نريدها؛ لأنها نسبة إلى مدينة حوث، هذه مسيرة قرآنية، ليست محصورة لا على مدينة حوث، ولا على أي مدينة، حتى سكان مدينة حوث ليسوا كلهم ينتمون إلى هذا المشروع القرآني والمسيرة القرآنية، هذه مسيرة قرآنية، أنصار الله عنوان لهذه الأمة في إطار مدلوله الإيماني الذي يعبر عنه الاستجابة العملية لله “سبحانه وتعالى” في التحرك وفق المنهجية القرآنية. فهو يحشد الجماهير والطاقات، ويفعِّل الكل، فيه مجال للجهود بكلها ولكل الناس، مشروع عظيم يعني.
يرسم مسارات واضحة ومحددة للنهضة بالأمة في كل المجالات، وتحويل التحدي إلى فرصة للنهضة: وهذا موجود في المحاضرات، في الدروس، في الملازم، الحديث عن كل المواضيع، وأسس تقوم عليها النهضة على المستوى الاقتصادي، على المستوى السياسي، على المستوى الإعلامي… المفاهيم القرآنية نفسها مفاهيم راقية، تبني حضارة وتبني أمة، نهج تحرري ثوري قرآني، وهذا ما لا تريده أمريكا، تريد الشكل التكفيري، أو الشكل المنبطح المستسلم.
هذا المشروع العظيم من انطلاقته أثبت جدوائيته ونجاحه، بالرغم من كل ما واجهه من تحديات، وبالرغم أنه تحرك بالإمكانات المتواضعة والمتوفرة للذين ينطلقون في إطاره، منذ البداية لم يستند لا على دعم خارجي، السيد حسين بدر الدين الحوثي عندما تحرك بهذا المشروع لم يستلم أي شيء من أي جهة خارجية أبداً.
من الدلائل الواضحة على جدوائية هذا المشروع ونجاحه: صموده وبقائه ونمائه بالرغم من التحديات الرهيبة، والحروب الشديدة، والاستهداف الشامل من الداخل والخارج له، وساهم في إفشال مساعي الأعداء إلى حد كبير في كل تلك المجالات التي ذكرت، كثير منها، فرمل الأمريكي وانشغل في الصراع مع هذا المشروع في اليمن.
أيضاً الحفاظ على موقع متقدم للشعب اليمني في قضايا الأمة؛ ليبقى مع الشعوب البارزة التي لها اهتمام بقضايا الأمة العامة.
إسهامه اليوم بشكل أساسي في التصدي لمحاولات الأعداء فرض الوصاية الخارجية والسيطرة الأجنبية على البلد، وفي التصدي للعدوان.
طبعاً كان يبقى لنا الكثير من الكلام، لكن لأنه قد طال بنا الوقت نختصر ونصل إلى نقاط ختامية:
1- بتوفيق الله “سبحانه وتعالى” وبمعونته سنواصل المشوار في مسيرة القرآن الكريم، مسيرة الوعي، والأخلاق، والحرية، والكرامة، والإباء، والعطاء، والاستقلال، والنهضة، والحضارة الإسلامية. سنواصل مع كل الأحرار أيضاً والغيورين والشرفاء من أبناء شعبنا، ونحن لسنا متوحشين ولا منعزلين، نلتقي مع كل الأحرار.
2- لنيل الاستقلال سنواصل العمل، لنيل الاستقلال التام والحرية الكاملة لبلدنا، وتخليصه وإنقاذه من السيطرة الخارجية والتبعية للأعداء، ونتصدى بمعونة الله تعالى لعدوان التحالف الأمريكي السعودي الإماراتي الصهيوني طالما استمر العدوان والحصار، وإن كل الجبهات التي يقاتل فيها الجيش بمساندة الشعب إنما يقاتل فيها للتصدي للعدوان، وهو يمارس حقه المشروع في ذلك، ومنها جبهة القتال في مأرب؛ لأن الأعداء صوروا أن الوضع في مأرب كان هادئاً مستقراً، وكانت مأرب مجرد واحة للنازحين من اليمن، وتضم ثلاثة مليون إنسان في المخيمات، ولكن جاء الجيش واللجان وفتحوا مشكلة، وحولوها إلى ساحة مشتغلة.
الأمر ليس كذلك نهائياً، الأعداء منذ بداية العدوان هم الذين حولوا مأرب إلى ساحة مشتعلة، هم الذين حولوها إلى جبهة رئيسية وأساسية لعدوانهم على هذا البلد، وتحركوا فيها عسكرياً بجحافل جيوشهم ومرتزقتهم من مختلف البلدان، وبالتكفيريين، وبالقاعدة وداعش، وبقية التكفيريين، وبقية الجبهة مشتعلة في مأرب كل هذه السنوات، لم تتوقف لا بهدنة، جبهة صرواح من أشهر وأهم الجبهات القتالية، العدوان دائماً ما كان يردد في وسائله الإعلامية وبناطقيه العسكريين الإعلان عن عمليات تلو العمليات تلو العمليات في جبهة صرواح، أين هي جبهة صرواح؟ بالقرب من مدينة مأرب، على مدى كل هذه السنوات وهي مشتعلة لم تتوقف، انطلقت من مأرب عمليات باتجاه صنعاء تحت عنوان: [قادمون يا صنعاء]، انطلقت منها عمليات باتجاه محافظة البيضاء، انطلقت منها عمليات باتجاه محافظة الجوف، جبهة عسكرية أساسية كل هذه السنوات، وجبهة رئيسية بالنسبة لتحالف العدوان.
الذي أزعجهم في جبهة مأرب ويزعجهم في أي جبهة أخرى: عندما يمن الله على عباده المستضعفين الذين هم في موقف الحق، على الجيش الذي يقاتل بمساندة الشعب بالانتصارات، إذا حقق انتصارات ميدانية يعرب الأمريكي عن قلقه ويطالب بوقف التقدم، يعرب المبعوث الأممي عن قلقه، وهو لا يقلق- عادةً- إلا في مثل هذه الحالات، يعرب البريطاني والأوروبي والخليجي عن قلقه، القلق الشديد جداً طبعاً، لا يقلقون عندما يقتل أبناء هذا الشعب في مجازر جماعية بالقنابل الأمريكية والطائرات الأمريكية، والقنابل البريطانية والطائرات البريطانية، والسلاح الأوروبي، لا يقلقون عندما يقتل الأطفال، عندما تقتل النساء، عندما يرتكب تحالف العدوان أبشع الجرائم لا يقلقون، وقدموا تلك الأكاذيب: أن ملايين النازحين يتواجدون في مأرب، وهذه كذبة كبيرة، هناك عدد من مخيمات النازحين حالهم كحال النازحين في بقية هذا البلد، يهمنا أمرهم، يهمنا قضيتهم، ليسوا في إطار الاستهداف؛ أما المعسكرات فلا تسمى مخيمات نازحين، معسكرات المقاتلين شيء آخر، ومخيمات النازحين شيء آخر، والمشكلة في جبهة مأرب، في مختلف الجبهات في هذا البلد، هي من جانب تحالف العدوان، هو الذي فتح هذه المسارات العسكرية، هو الذي غزا هذا البلد، هو الذي تحرك بجيوشه في مختلف المحافظات، بمرتزقته، بالخونة من أبناء هذا البلد في مختلف المحافظات، الجيش بمساندة الشعب يؤدي واجبه في التصدي في مختلف الجبهات للأعداء.
3- سنواصل مع الأحرار من أمتنا الإسلامية كل المساعي والجهود في التصدي للعدو الإسرائيلي ومؤامراته ومكائده التي تستهدف الأمة، إضافةً إلى استمرارنا في مناصرة الشعب الفلسطيني، والتمسك بالموقف الحق في دعم القضية الفلسطينية إنساناً وأرضاً ومقدسات، والثبات على ذلك كمبدأ ديني، وحق إنساني، وواجب أخلاقي.
4- في الوقت الذي نستنكر التطبيع والتحالف مع العدو الإسرائيلي من بعض البلدان والدول والكيانات والجماعات ونعتبره خيانةً للإسلام والمسلمين، نؤكد على تمسكنا بمبدأ الأخوة الإسلامية مع أبناء أمتنا الإسلامية، والأحرار من أبناء أمتنا، والتعاون بين المسلمين، والتصدي لكل مساعي الفرقة التي يعتمد الأمريكي على التكفيريين، وعلى أمثالهم ممن يخدمونه، لنشرها بين أبناء الأمة.
ختاماً: نسأل الله “سبحانه وتعالى” بفضله وكرمه أن يجزي السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” عنا خير الجزاء، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره إنه على كل شيءٍ قدير.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛