الدرس الثالث من البرنامج الرمضاني (الأعمال الصالحة هي الوسيلة الحقيقة للنجاة من عذاب الله وسخطه)
(الأعمال الصالحة هي الوسيلة الحقيقة للنجاة من عذاب الله وسخطه)
معرفة الله وعده ووعيده الدرس الخامس عشر 7 ـ 9.
الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي.
ويقول أيضا سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَل}(فاطر: من الآية37). يصطرخون صراخا شديدا، صراخ الألم، صراخ الحسرة {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَل} ماذا يقال لهم؟ {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ}(فاطر: من الآية37) العمر الذي يكفي أن يتذكر فيه منكم من أراد أن يتذكر فيعمل فيه الأعمال الصالحة التي أنتم الآن تطلبونها، هناك في الدنيا عمرتم طويلا أعمارا طويلة وهي أعمار كانت كافية، تكفي من كان منكم يريد أن يتذكر فيعرف أن الأعمال الصالحة هي الوسيلة لنجاته من جهنم فينطلق فيها.
من يتذكر فيما قدم إليه من تذكير الله من القرآن الكريم والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}(فاطر: من الآية37) جاءكم من ينذركم في الدنيا {فَذُوقُوا}(فاطر: من الآية37) لا خروج، ولا تخفيف، ولا رحمة، {فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}(فاطر: من الآية37) لن تجدوا هناك من ينصركم.
نار جهنم {لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} فيكون الموت راحة، الموت الذي يخاف الناس منه هنا في الدنيا فيقعد، لا يقول كلمة الحق خوفا من الموت، لا يقف موقف الحق خوفا من أن يموت, مع أنها احتمالات كم في التاريخ من شواهد لأبطال قاتلوا واستبسلوا، وتعرضوا للموت، وخاضوا غمار الموت، ولم ينلهم شيء.. ماتوا على فراشهم، وهم من كانوا يريدون أن يموتوا في ميادين القتال, أي أن الموت هنا محتمل، في المواقف، في ميادين الجهاد هو ما يزال احتمالا فقط.
من هو ذلك الذي يقطع بأنه سيموت حتماً إذا ما قال كلمة حق, أن هناك من سيميته لا شك، أن هناك من سيميته لا شك إذا وقف موقفا صحيحاً، من هو ذلك من الناس الذي يمكن أن يقطع بهذا؟ وعلى الرغم من ذلك من أنها مجرد احتمالات نخاف، نقعد، ونتواصى بالخنوع, ونتواصى بالذل بدلاً من التواصي بالحق والتواصي بالصبر عليه.
هناك في جهنم – هذا الموت الذي يخاف الناس منه في الدنيا فيصل بهم الخوف منه إلى دركات جهنم وإلى هذا العذاب الشديد – سيصبح نعمة كبرى يتمنونها لو كان بالإمكان أن يحصلوا عليها.
{يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً}(النبأ: من الآية40) يتمنى أهل جهنم أن يموتوا, يتمنون أن يموتوا, وحينئذ سيرون الموت ولو كانت سكراته شديدة, ومزعجة، أقسى أنواع الموت لديهم لرأوها نعمة، لرأوها نعمة كبيرة؛ لأنهم سيصلون إلى حالة لا يحسون معها بألم ذلك العذاب الشديد جهنم، فهم لا يقضى عليهم فيموتوا، فيكون الموت راحة لهم، لو كان يمكن أن يموتوا, ولا يخفف عنهم من عذابها, لا يخفف لحظة واحدة, لا يخفف يوما واحداً. {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ}(غافر: من الآية49) يقول أهل النار لمالك خازن جهنم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً} يوما واحدا من العذاب، ولا يوم واحد، يوم واحد في مليار سنة على الأقل.. لا يقبل ولا يوم واحد.
أليس هذا هو ما يخيف الإنسان؟ أليس كل شيء في هذه الدنيا مما يخوفنا به الآخرون يبدو هينا, ويبدو نعمة عند أهل النار، لو كان بالإمكان أن يكون عذابهم كمثله؟ {كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ}(فاطر: من الآية36) لأن الله لا يظلم أحدا؛ لأنهم هم من كانوا في الدنيا كافرين بنعم الله، كافرين بآيات الله، صادين عن سبيله، غير مستجيبين له، هكذا يكون جزاؤنا لكل كفور.
نحن هنا نسمع في هـذه الآيات {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} (فاطر: من الآية36) وكأنه فقط أولئك الكافرون أما نحن من قد أسلمنا – ولو انطلقنا في أعمال كأعمال الكافرين – فإننا بعيدون عن هذا التهديد, وعن هذا الوعيد. هل هذا صحيح أم لا؟ ليس صحيحا أنه فقط من يحملون اسم كافر هم وحدهم من سيعذبون؛ لأن الكافر لا يعذب على اسمه, لأن اسمه كافر! يعذب على أعماله أعمال يعملها: إعراض عن دين الله، صد عن سبيل الله، عمل في سبيل الطاغوت.
أو لم يكن في المسلمين من كانت أعمالهم أسوأ من أعمال أولئك الكافرين؟ بلى هناك في المسلمين من يظلم، في المسلمين من يصد عن سبيل الله، في المسلمين من يقتل القائمين بالقسط من عباد الله. فهل أن الله سبحانه وتعالى إنما يعذب أولئك على أعمالهم لأن اسمهم كافرين؟!.
أما أنت متى حملت اسم إسلام فلن تعذب؟ سيصبح الحال حينئذ يصبح الإسلام عبارة عن رخصة للمجرمين، أنت تريد أن تحصل على ترخيص لترتكب كل الجرائم ثم لا تعذب؟ إذاً قل: [لا إله إلا الله محمد رسول الله]. يصبح الإسلام هكذا, ويصبح الكافرون كل واحد منهم أحمق. أنت لم تسلم لأنك لا تريد أن تبتعد عن هذه الأعمال التي أنت عليها. أسلم إذاً وبإمكانك أن تستمر عليها، ثم عندما تقدم في يوم القيامة سيشفع لك محمد، وتدخل الجنة!. يصبح الإسلام حينئذ وسيلة أمن للمجرمين، وبطاقة ترخيص للمجرمين.
فبدلا من أن تكون مجرما، تتهدد بهذا التهديد الشديد، ويواجهك المسلمون بالاحتقار، ويواجهونك بسيوفهم في الدنيا، كن مجرما محترما، اسلم لتكن مجرما محترما.
أليس هذا هو إسلام من يقولون بأن الشفاعة لأهل الكبائر؟! الإنسان هو الإنسان، رغباته، شهواته، مطامعه، هو هو، سواء كان يهودياً، أو نصرانياً، أو وثنياً كافراً، أو مسلماً.
أنظر إلى واقع الناس في هذه الدنيا الآن، في هذا الزمان، أليس البشر فيها من طوائف كثيرة؟ اليهودي والنصراني، والوثني، والمسلم، والمسلمون باختلاف طوائفهم؟ انظر إلى واقعهم كناس رغباتهم واحدة، شهواتهم واحدة, مطامعهم واحدة, الإنسان هو الإنسان, الجرائم التي تنطلق منك وأنت كافر هي نفسها إذا ما سرت وراء شهواتك هي نفسها التي ستنطلق منك وأنت مسلم، تنطلق من اليهودي، والنصراني بشكل واحد سواء.
إذاً فلماذا مجرمون يعذبون، ومجرمون لا يعذبون؛ لأنهم يحملون أسماء مختلفة! هل هناك بين الله وبين أحد قرابة؟ أو الله سبحانه وتعالى يداهن أحدا، أو يكيل بمكيالين، كما نقول عن أمريكا؟ الناس هنا يقولون عن أمريكا: أنها تكيل بمكيالين.
إذا ما انطلق الإسرائيلي ليقتل الفلسطيني لا تلتفت إليه، ولا تدينه, وإذا ما اتجه الفلسطيني ليقاوم ويدافع عن نفسه المحتل لأرضه قالوا: إرهابي. قالوا: هذا كيل بمكيالين. لماذا لا تعاملهم سواء على الأقل؟ فتقول: هذا عنف، وهذا عنف، وهذا إرهاب، وهذا إرهاب.
حينئذ ستصبح القضية هكذا: أن الله سيكيل مع الناس بمكيالين، فمجرمون ينطلقون في شتى الجرائم، وكبارها, يظلمون عباد الله، ويصدون عن سبيل الله، ويحرفون دينه، وينشرون الفساد في أرضه، ويهتكون أعراض عباده ثم سيشفع لهم محمد.
الكافر ماذا يعمل إذاً؟! هل هناك نوع آخر لدى الكافر؟ إنما يعمل هكذا عندما نقول: إن الزنا محرم, هو محرم، لكن لماذا يعذب عليه الكافر ولا يعذب عليه من اقترفه ممن يحمل اسم إسلام؟ أليست عملية واحدة؟ وجريمة واحدة عند اليهودي، والنصراني، والكافر والمسلم؟ هي فاحشة. الظلم هو نفسه. ليس هناك نوع من الظلم لا يمكن أن يصدر من الكافر، أو لا يمكن أن يصدر من المسلم, الأعمال واحدة التي نريد أن نفهمها: أن الناس كل الناس على اختلاف العناوين اتجاهاتهم واحدة، وجرائمهم، ومطامعهم، وشهواتهم، ومقاصدهم واحدة.. فلماذا ناس يعذبون وناس لا يعذبون على جرائمهم؟ يصبح الدين حينئذ بدلاً من أن يكون دينا للحياة، بدلاً من أن يكون ديناً لمكافحة الجريمة، بدلاً من أن يكون ديناً كما قال الله عنه: ليزكي النفوس، ليطهرها يصبح عبارة عن رخصة لكل من يريد أن يستمر في إجرامه.
فبدلاً من أن تبقى مستحقاً للعذاب الشديد، أسلم. والإسلام مجرد قول، ثم ابقَ على أعمالك! وحينئذ لا جهنم، وحينئذ ستدخل الجنة مع المؤمنين، وسيشفع لك محمد (صلوات الله عليه وعلى آله)!!. ألم يصبح الإسلام حينئذ عبارة عن رخصة؟ ألم يصبح ديناً بدلاً من أن يكافح الجريمة يشجع عليها؟ بدلاً من أن يخوف النفوس؛ ليزكيها، ليطهرها بتشريعاته وهديه، هو من يؤمِّن تلك النفوس لتغرق في مستنقع الرذيلة والجريمة؟!.
فعلاً سيصبح الدين هكذا؛ ولهذا الله سبحانه وتعالى في القرآن تحدث عن بني إسرائيل بأن كثيراً من جرائمهم بما فيها قتل الأنبياء، وبيع الدين، وبما فيها استحلال أموال الآخرين عندما يقولون: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}(آل عمران: من الآية75) قال عن ما يدفعهم إلى ذلك هو: أنهم يعتقدون أن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة. أي: أن هذه العقيدة تشجع على الجريمة، وتعمل على أن تغرق النفوس في مستنقع الجريمة والرذيلة {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ}(آل عمران:24) ألم يعلل بأن عقيدة بهذه هي وراء الجريمة، وهي عقيدة تدفعك إلى الإجرام.
إذاً، فليست من دين الله لهذا قال: {وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} خدعوا أنفسهم بالكذب, وفعلا لا تزال عقيدة قائمة عند اليهود إلى الآن.
بعض الناس قد يسأل هل يرى اليهود أنهم إلى النار؟ يرى أن النار لن تمسه إلا أياما معدودة، فكل ما يعمله [شارون] لو رأى نفسه مجرما، لو رأى نفسه مستحقا أن يدخل النار، فهو عندما يدخلها قد يبقى فقط سبعة أيام مقابل سبعة آلاف سنة هي عمر الدنيا، أو على أكثر قول لديهم سيبقى الواحد منهم أربعين يوما في جهنم على عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل، ويخرج، وحينئذ لا يكترث بما يرتكب في الدنيا.
هي العقيدة التي كانت وراء ظلمنا نحن المسلمين من داخل المسلمين أنفسهم على أيدي الجبابرة من الطواغيت، الخلفاء، الملوك، والحكام، والرؤساء، والسلاطين بمختلف العصور، وهناك من علماء السوء من يؤمنهم أن محمدا (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله) سيشفع لهم مهما كانوا مجرمين، فينطلقون لظلم الناس لتسفك دماؤهم، وينطلقون للصد عن دين الله، وينطلقون فيه وهم آمنون من جهنم، أنهم لن يدخلوا جهنم.
واليهودي يرى أنه سيدخل جهنم وسيبقى أياما معدودة، وأما صاحبنا فإنه يرى أنه لن تمسه النار إطلاقا. اليهود قالوا: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ}.
أما نحن المسلمون فقناهم في هذا القول, فقلنا: ولا أياما معدودة، ولا لحظة واحدة، سيأخذ بيدك محمد ويمنحك وسام الشرف، شفاعته، فتدخل مع أولئك المؤمنين الجنة!. أليس هذا قول أبعد من قول اليهود؟ أليست عقيدة أسوأ من عقيدة اليهود؟ هي نفسها وراء ظلم الكثير من الخلفاء والملوك، والرؤساء في كل عصر من العصور، هناك من أمنهم.