الدرس الأول من البرنامج الرمضاني (نعم الله تعالى على الإنسان وفي مقدمتها نعمة الهداية)
الدرس الأول من البرنامج الرمضاني
معرفة الله نعم الله الدرس الرابع صـ 1ـ 5.
الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي.
نعم الله تعالى على الإنسان وفي مقدمتها نعمة الهداية.
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
الموضوع هو امتداد للعنوان السابق: معرفة الله سبحانه وتعالى.
وكما أسلفنا في الدروس السابقة بأن من أهم المجالات، أو من أهم الوسائل لمعرفة الله سبحانه وتعالى هو تذكر نعمه، نعمه الكثيرة، نعمة الهداية بكتابه الكريم وبالرسول (صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين) وهي أعظم النعم، والنعم الأخرى، النعم المادية، وهي كثيرة جداً كما قال الله سبحانه وتعالى عن نعمه بصورة عامة: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} (النحل: من الآية18).
نحن ذكرنا سابقاً ما يتعلق بالنعم المادية، وهي أخذت مساحة واسعة في القرآن الكريم، وهي كثيرة جداً، هي كل ما يتقلب فيه الناس في حياتهم {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (النحل: من الآية53) ونعمة الهداية التي هي أعظم النعم، الهداية إلى الإيمان، هذا الدين العظيم دين الإسلام، يقول الله سبحانه وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} (المائدة: من الآية3) فهذا هو الفضل العظيم من الله، هو ذكر فيه بأنه قد أتم النعمة، نعمة تامة ليس فيها نقص، لا تحتاج إلى من يكملها {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً} هذه النعمة ما أوجب شكر الله سبحانه وتعالى علينا في مقابلها!.
ويقول سبحانه وتعالى بالنسبة لنبيه محمد (صلوات الله عليه وعلى آله): {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (آل عمران:164) أليست هذه نعمة كبيرة؟. {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ولقد كانوا فعلاً قبل هذه النعمة العظيمة، نعمة الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي يقوم بهذه المهمة في إبلاغ دين الله فيتلو على الأمة آيات الله، ويزكي أنفسهم، ويعلمهم كتابه، ويعلمهم الحكمة، {وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (المائدة: من الآية16) كما قال في آيات أخرى.
ويقول سبحانه وتعالى عن نعمة القرآن الكريم: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (ابراهيم:1) أليست هذه نعمة كبيرة؟. {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}. ويقول أيضاً في كتابه الكريم عن القرآن الكريم: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (الزمر:23) فسمى كتابه الكريم بأنه أحسن الحديث، متشابهاً في حكمته، في فوائده، في عظمة آياته، في تفصيل آياته، فيما تشتمل عليه من فوائد كثيرة، في عظمة معانيها، في تفصيلها، في إحكامها.
مثاني: تتكرر فيه المواعظ، يتكرر فيه الحديث عن المبادئ المهمة والقيم المهمة، تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم لشدة وقعه على أنفسهم, ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله. هذا هو بالتحديد ما يصنعه القرآن الكريم في من يفهمون القرآن الكريم، وفي من يعرفون عظمته وأهميته، ويعرفون أنه أعظم نعمة أنعم الله سبحانه وتعالى بها على عباده؛ ولهذا قال بعد: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ} ويقولون بأن {ذَلِكَ} تستخدم أيضاً للتعظيم، كما أن اسم الإشارة للبعيد يشار بها أيضاً إلى الرفيع الدرجة، البعد المعنوي في درجات العظمة.
{ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} من ضل بعد هذا الهدى، بعد هدى الله، هذا الهدى الذي هو القرآن الكريم، والنبي العظيم (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله) فما له من هاد، لن يكون هناك من يهديه إطلاقاً.
هذا فيما يتعلق بنعمة الهداية، ولكن لما كانت نعمة قد يكون كثير من الناس لا يلمس قيمتها، لا يدرك قيمتها، وإلا فهي من أعظم النعم؛ لأن الله قال: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} (الحجرات:17).هو الذي له المنة علينا أن هدانا للإيمان، والنعم الأخرى وهي تشمل جميع مجالات الحياة، ونعم أخرى تبرز في مواقف الناس المتعددة في ميادين العمل، من التأييد بالنصر، من الدفاع عن المؤمنين. إذا تأمل الإنسان القرآن الكريم وهو يعدد النعم الكثيرة على الناس ليست فقط هذه المادية التي نحن نتقلب فيها مما بين أيدينا من النعم المختلفة، بل هي نعمة أيضاً يجدها المؤمنون وهم في ميادين العمل، في ميادين نصر دين الله، والعمل لإعلاء كلمة الله.
الله سبحانه وتعالى أكد في كتابه الكريم لعباده أن عليهم أن يذكروا نعمه, أن يتذكروا نعمه، أن يشكروا نعمته في آيات كثيرة، والقرآن الكريم متى ما كرر شيئاً، متى ما أكد على شيء فإنه فعلاً ليس كلام لمجرد الكلام، أو لتستقيم السجعة كما يعمل الناس، أو ليستقيم وزن البيت الشعري كما يعمل الشعراء، وإنما يكرر الشيء لأهميته، وكل شيء هام باعتبار أنه تمس الحاجة إليه بالنسبة لنا، وفي مجال علاقتنا بالله سبحانه وتعالى، وفيما يتعلق بحياتنا، فيما يتعلق بالتعامل مع بعضنا البعض، فيما يتعلق بأعمال المؤمنين في مجال نشر دين الله وإعلاء كلمته، وفي ميادين المواجهة مع أعداء الإسلام.
من العجيب أن تجد آية تحكي، عندما قال الله سبحانه وتعالى لنبيه موسى: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الأعراف: من الآية144) يقول لنبيه موسى وهو ذلك الرجل العظيم الذي قطع على نفسه عهداً {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} (القصص: من الآية17) من أجمل ما قاله الأنبياء جميعاً, هذه الكلمة التي قالها موسى (صلوات الله عليه)، من أجمل وأعمق الكلمات التي قالها الأنبياء فيما تدل عليه من مشاعر الإرتباط القوي بالله سبحانه وتعالى، وإدراك عظم النعمة التي أنعم الله بها عليه، وقد كان ذلك قبل النبوة. ما هي هذه النعمة؟. قد يكون أكثر ما نلمسه في هذا الجانب هو أنه توفق إلى أن يقف موقف حق، وأن يعلن كلمة حق، وأن يقارع الظالمين.
الآية هذه جاءت بعد قصة قتل القبطي الذي من قوم فرعون {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} لن أكون مساعداً، لن أكون معيناً للمجرمين طيلة حياتي، وفعلاً صدق، يقول الله له وهو من هو في إدراكه لنعم الله، وفي وقعها العظيم على نفسه يقول الله عندما أخبره بأنه قد اصطفاه برسالته وبكلامه وأنزل إليه التوراة {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} كن من الشاكرين لهذه النعمة، كما قال لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) محمد {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} (النساء: من الآية113) وقال لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) محمد بن عبد الله وهو سيد الأنبياء والمرسلين: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الزمر:66) كن من الشاكرين، وهل تظنون بأن رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) كان يتوفر له من الطعام والشراب كما يتوفر لأحدنا يأكل كل يوم خبز البر، ويأكل اللحم، ويأكل مختلف أنواع الأطعمة.
نعمة الهداية التي هي تتلخص في كلمة: إخراج من الظلمات إلى النور، بكل ما تعنيه الظلمة في الجانب الأخلاقي، في الجانب المادي، في الجانب المعنوي، وبما تعنيه كلمة النور، النور في النفس، النور في القلب، النور في الحياة، النور في القيم، لكننا نحن البسطاء قد يكون الكثير منا لا يدرك أهمية وعظمة هذه النعمة، نعمة الهداية، لا نكاد نعترف بأن النعمة الحقيقية إلا هذه النعم التي نلمسها: أموال, ماديات الحياة هي هذه، ولكن حتى هذه التي نحن نتقلب فيها طيلة أعمارنا، كل ما تتحرك فيه خلال الأربع والعشرين ساعة من النعم العظيمة هي من الله، ولكن حتى هذا على الرغم من أننا نلمسها وندرك حاجتنا الماسة إليها لا نكاد نتذكرها بأنها نعمة من الله، ولا نكاد نتذكر أنه يجب علينا أن نشكره عليها، وأن نستشعر عظم إحسانه إلينا بها، فنحبه ونتولاه، ونشكره ونعبِّد أنفسنا له، إن الإنسان لظلوم كفار.
لهذا تجد الحديث في القرآن الكريم عن النعم المادية واسع جداً، والحديث عن النعم المعنوية، نعمة الهداية، نعمة إنزال الكتاب، نعمة الرسول، تجدها قليلاً، لكنها تتوجه إلى أصحابها كما يقول لأنبيائه هنا: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} (الأعراف: من الآية144) يقول لمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) ويقول لموسى؛ لأننا نحن البسطاء لا نزال نحتاج إلى نقلة، أن نستشعر أن ما بين أيدينا هو من الله، ونعترف بأنه نعمة، ثم يتوفر لنا ما يعطيه هذا التذكر من المعاني العظيمة، ولو بعض منها فيكون من حصل منا على هذا الشيء يعتبر أنه قد حصل على مكسب كبير، أنه قد تذكر نعم الله عليه أو جانباً منها وعرف بعضاً من الفوائد المعنوية التي تتركها في نفسه.
فمتى يصل الإنسان؟ متى يصل الإنسان؟؟ وبأي وسيلة يمكن أن يصل إلى أن يفهم القيمة العظيمة لنعمة الهداية؟.
فعلاً أنا لا ألوم الناس، عوام الناس المساكين؛ لأن الدين لم يقدم لنا ديناً متكاملاً على أيدي الكثير من المتحدثين باسمه، يعرفوننا جوانب معينة ويتركون الكثير مما نحن بحاجة إلى معرفته؛ لأن ثقافتهم تركزت على ما يتعلق بأحكام شرعية. إذاً فالعامي هذا قد نعرِّفه ما يتعلق بكيف يتوضأ، ويغتسل، ويصلي، ويزكي، ونوع من العبادات والمعاملات هذه، وهذا هو الدين!.
لم نعرف كم أعطى الدين من اهتمام كبير بنا في كل مجالات حياتنا، لم نعرف عظم هذا الدين باعتبار ما فيه، ما يتمثل فيه من رعاية إلهية عظيمة بنا، فنراه هنا لجانب من شؤون الحياة، والتي هي أكثر ما يشغلنا وتشغل أكثر مساحة من ذهنيتنا هناك في جانب آخر.
لهذا تجد الناس عندما تذكرهم بأن الإسلام نعمة عظيمة يجب علينا أن نشكرها، سيجامل، يقول: [الحمد لله فعلاً نعمة عظيمة، نعمة عظيمة، الإسلام نعمة عظيمة]، ولكن تعال تعاون في سبيل الإسلام، يقول: [والله ما معي إلا قليل فلوس محتاج كذا وأعمل كذا .. الخ]، هو لا يتعاون في شيء وإن كان لديه أموال كثيرة, الإسلام هذا هو بحاجتك أن تتحرك في سبيله فتدافع عنه وأن تعمل على إعلاء كلمته، لا يتفاعل كثيراً، لماذا؟ لأننا لم نعرف بعد عظمة الإسلام.
أولئك البدو الذين جاءوا إلى رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وأسلموا وظنوا بأنهم قد قدموا خدمة كبيرة لمحمد ولإله محمد أنهم أسلموا!، فقال الله عنهم: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} (الحجرات: من الآية17)، ظنوا أنهم قد قدموا [وحدة كبيرة لمحمد]، يعني نعمة عظيمة من جانبهم قدموها لرسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) يجب عليه أن يشكرهم كلما يلقاهم، {قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ} (الحجرات: من الآية17) افهموا، {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} (الحجرات: من الآية17) فكم هي نعمته العظيمة عليكم بأنه هداكم للإيمان.
هذا فيما أعتقد هو عامل من عوامل قلة تفاعلنا مع الإسلام، مع القرآن الكريم، مع الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، حتى أصبحت القضية بلغت درجة أنه قد لا يكون إلا في النادر، في النادر من يغضب فينا لله إذا عُصي، من يحب في الله، من يبغض في الله، من يوالي في الله، من يعادي في الله، وهكذا لاحظ كلمة بعيدة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (التوبة: من الآية111) من منا الذي سيبيع نفسه وماله؟، نحن نراها بعيدة هناك، من هو هذا المجنون الذي سيبيع نفسه وماله!.
لكن لا، من يعرف الله سبحانه وتعالى، من يعرف الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) , من يعرف القرآن الكريم، من يعرف هذا الدين، عظمة هذا الدين، سيرى بأنه قليل أن يقدم في سبيله أن يبذل نفسه وماله، ومن لا يعرف إلا مجرد عناوين، لا يقدم حتى ولا القليل من ماله، ولا الجهد البسيط من أعماله، لا يبذل شيئاً من هذا.
وستظل القضية هكذا في ما أتصور، ونمشي جيل بعد جيل، إذا لم نحاول أن نتعرف على هذه النعمة العظيمة التي نحن فيها، نعمة الهداية، أننا مؤمنون بالله، أننا مؤمنون برسوله (صلوات الله عليه وعلى آله)، أننا مؤمنون بكتابه الكريم، أننا مؤمنون بهذا الدين العظيم، دين الإسلام، يضاف إلى ذلك بالنسبة لنا نحن شيعة أهل البيت أننا متمسكون، أو نؤمن بالتمسك بالثقلين: كتاب الله، وعترة نبيه (صلوات الله عليه وعلى آله)، وأننا نؤمن أن عقائدنا التي نؤمن بها صحيحة، هذه نعمة أعتقد نعمة عظيمة علينا نحن الشيعة أكثر من غيرنا، من يعرف ما يتخبط فيه الآخرون من الضلال سيجد أنه في نعمة عظيمة يجب عليه أن يشكر الله عليها، كلما يتذكر يشكر الله عليها باستمرار {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} فإذا ما وجدنا أنفسنا فعلاً، من هدانا الله للإيمان، ما نحن مؤمنون به هو حق، ما نحن نعتقده هو حق، إذاً فنعمة الله علينا أعظم، والمسؤولية التي ستتبعها علينا أكبر، والحق علينا أوجب.
كم تحدثنا في الجلسات السابقة، في دروس متعددة حول كثير من الإشكاليات التي لدى الآخرين، والتي تعتبر من الضلال الرهيب لديهم، والتي نحن بحمد الله بمعزل عنها، نحن بمعزل عنها بحمد الله.
إذا كان الله سبحانه وتعالى يذكِّر عباده بأن عليهم أن يذكروا نعمه فنحن الزيدية، نحن شيعة أهل البيت من يجب علينا أن نتذكر أكثر فأكثر هذه النعم، ندع ذلك التذكر يترك آثاره المهمة العظيمة في نفوسنا, ننطلق – من واقع حبنا لله وإيماننا الواعي به، واستشعار وجوب الشكر له على نعمه – ننطلق بكل ما نستطيع في مجال الحصول على رضاه؛ لأن من أعظم ما تتركه النعم من آثار في النفوس هو أنها تدفعك إلى تولي الله سبحانه وتعالى وإلى حبه، كيف لا أحب من أراه يرعاني؟. من أرى كل ما بين يدي مما أملك، ومما لا أملك من نعمته العظيمة الواسعة، من أرى أن هذا الدين الحق الذي أنا عليه هو الذي هداني إليه؛ فأتولاه، وأحبه وأعظمه وأجله، وأسبحه، وأقدسه، وأخشاه، وهذه المعاني عظيمة الأثر في النفوس فيما تمثله من دوافع نحو العمل في ميادين العمل.