الدرس الحادي عشر من البرنامج الرمضاني (لو كنا نفهم أن الوعد والوعيد يبدأ من هنا من الدنيا لما اختلطت الأوراق علينا)
البرنامج الرمضاني
معرفة الله وعده ووعيده الدرس التاسع صـ 4 ـ 6.
الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي.
لو كنا نفهم أن الوعد والوعيد يبدأ من هنا من الدنيا لما اختلطت الأوراق علينا
هكذا تجد القرآن الكريم مليئاً بهذا، مليئاً بالوعد والوعيد، وأن تؤمن بأن الوعد والوعيد يبدأ من هنا من الدنيا؛ أنت ستستطيع أن تفهم واقعك، تستطيع أن تعرف وضعيتك التي أنت فيها، هل أنت في وعد أو وعيد؟ هل أنت داخل مثوبة من الله أو داخل عقوبة من الله؟.
لو كنا نفهم الوعد والوعيد يبدأ من هنا من الدنيا لما اختلطت الأوراق علينا، فأصبحنا نتعبد الله بالبقاء على حالة الذلة التي نحن عليها، كيف هذا؟ أصبحت العقوبات هنا في الدنيا لا نحس بها، العقوبات الإلهية، ألم يقل عن بني إسرائيل عندما ضرب عليهم الذلة والمسكنة بأنه بما عصوا وكانوا يعتدون، أي هكذا سيعمل بالعصاة وسيعمل بالمعتدين. هذه الأشياء التي نؤكد على ضرورة اعتماد القرآن الكريم فيها بالذات: أن نفهم الوعد والوعيد الإلهي بمعناه الكامل، الذي يبدأ من هنا من الدنيا وينتهي في الآخرة.
وأن كل ذلك الوعد والوعيد الذي يبدأ من الدنيا وينتهي في الآخرة، عندما يحدثنا عنه بأنه لن يتخلف، كله ليدفعنا إلى الإستقامة على هديه، والثبات على ما أرشدنا إليه.
جهنم، أليست جهنم هي لدينا وقدمت في القرآن الكريم هي العذاب الشديد؟ فعلاً نعوذ بالله من جهنم، جهنم هي مستقر غضب الله سبحانه وتعالى وسخطه، جهنم جعلها الله عذاباً شديداً فوق ما يمكن أن يتصور الناس {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} (الزمر: من الآية47).
الجنة هي النعيم العظيم، النعيم الذي وصفه الرسول (صلوات الله وسلامه عليه) بعبارة موجزة: ((فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)) كيف نؤمن بهما؟ وما هو الأثر الذي يتركه الإيمان بهما؟ وكيف نؤمن باليوم الآخر بتفصيلاته تلك المهولة، بتلك الأهوال التي تأتي في ذلك اليوم؟ ما علاقته بمعرفة الله؟ الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بالجنة، الإيمان بالنار، يجب أن يكون إيماناً بالشكل الذي يترك أثره في نفوسنا, إيماناً يشدنا إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأن الجنة بيده والنار بيده، وهو من يبعث عباده ويحشرهم ويحاسبهم وهو من يصنع كل تلك الأهوال في ذلك اليوم.
أوليس من أسمائه الحسنى سبحانه وتعالى: الجبار، شديد العقاب، ألم يصف نفسه سبحانه وتعالى بأنه شديد العقاب؟ أن نؤمن بأنه جبار، جبار على من يتمردون عليه، على من لا يهتدون بهديه، على من يعاندون ما أنزله على أنبيائه من الهدى، من الآيات البينات؟ شديد العقاب لا أحد غيره يمكن أن تصل عقوبته إلى معشار، معشار العقوبة من الله سبحانه وتعالى، هذا نفسه سيربطنا بالله سبحانه وتعالى، بالجبار بشديد العقاب، يربطنا به فنعرفه بهذا سبحانه وتعالى بأنه جبار وشديد العقاب، فيدفعنا ذلك إلى أن نخشاه، إلى أن نخاف على أنفسنا من مخالفة ما هدانا إليه وأرشدنا إليه.
الإيمان السائد بالله سبحانه وتعالى هو إيمان: [الله غفور رحيم] أليس كذلك؟! {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} (الحجر:50) {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ} (غافر: من الآية3) أليس يريد أن نؤمن بالأمرين معاً؟: أنه غفور رحيم، وأن عذابه هو العذاب الأليم، أنه غفور رحيم، وأنه شديد العقاب، أنه {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ}.
أعمالنا في هذه الدنيا أليست تسير على شق واحد؟ هو شق: ((الله غفور رحيم))؟ أليس هذا الذي يحصل؟! أي إيماننا ناقص بالنسبة لله سبحانه وتعالى؛ لأن الإيمان به ليس فقط إيمان بمجرد وجوده، الإيمان به مرتبط بالإيمان برسوله، بكتبه، باليوم الآخر.
أن تكون مؤمناً بالله ثم لا تكون مؤمناً باليوم الآخر، أو تكون غافلاً عن اليوم الآخر، أو ناسياً لليوم الآخر، سيبدو إيمانك بالله سبحانه وتعالى ذاته ناقصاً؛ لأنك فقط آمنت بأنه هو الغفور الرحيم، وهو في نفس الوقت – كما وصف نفسه، وكما سمى نفسه -: الملك، القدوس، السلام، المؤمن، العزيز، الجبار، المتكبر، هو غافر الذنب، هو شديد العقاب، كما قال: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} قل لهم أنا هكذا، ليؤمنوا بي هكذا إيماناً كاملاً، لأن القضية مهمة؛ الإيمان بالله سبحانه وتعالى على هذا النحو الكامل هو ما يدفعني إلى أن أرغب إليه وأرهب منه إلى أن أتقيه.
والتقوى – لاحظوا – كيف التقوى في القرآن الكريم؟ تأتي بعبارة: {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} (البقرة: من الآية197) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} (التوبة: من الآية119) {اتقوا الله} تتكرر كثيراً.
أين يتجه الأمر بالتقوى؟ أين يتجه؟ إلى غفور رحيم!؟ أو الإتقاء لأنه سبحانه وتعالى شديد العقاب؟! فلا تتحقق التقوى لدي إذا لم أؤمن بالله سبحانه وتعالى على هذا النحو.
أين موضع شدة عقابه؟ أين موضع جبروته وبطشه؟ هنا في الدنيا وفي الآخرة على أعلى مستوى، وأشد ما يمكن أن يكون، جهنم.
إذاً فالإيمان بجهنم، الإيمان باليوم الآخر على هذا النحو الذي يجعلني خائفاً، هو نفسه الإيمان بأن الله شديد العقاب، الإيمان بأن عذابه هو العذاب الأليم، ومن هذا الطريق تأتي إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى، وليترسخ في نفسي الخوف من جهنم؛ ولهذا جاء في القرآن الكريم الآيات الكثيرة التي تتحدث عن تفاصيل جهنم بشكل رهيب.
القرآن الكريم تحدث عن وقودها فقال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (البقرة:24) وقودها الناس والحجارة تصبح أنت مجرد وقود لجهنم من شدة العذاب – نعوذ بالله – تصبح أنت جزءاً من النار، وكتلة من النار، ووقودها الحجارة، الصخرات التي تتحول إلى جمرات متوهجة، نار ليست ذات درجة حرارة ثابتة بل هي نار متسعرة، ملتهبة، متسعرة، فيقول الله سبحانه وتعالى: {وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً} (النساء: من الآية55) والعذاب فيها – نعوذ بالله منها – العذاب فيها ليس فترة محدودة أو لعمر محدود قد ينتهي فينتهي الألم. الله يقول عن أهل جهنم وهم يعذبون فيها: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} (النساء: من الآية56) يقال: أن الجلد هو منطقة الإحساس فالجلد هو من يحترق، فكلما احترق يبدل ليبقى الألم مستمراً.
الآلام في الدنيا قد تصل إلى درجة أن تفقد وعيك، فتفقد إحساسك فتصبح في واقعك مرتاحاً غير متألم، هناك في جهنم لا يفقد الإنسان وعيه, ولا يتلاشى حتى ينتهي وجوده فيدخل في غيبوبة مطلقة فلا يعد يحس بشيء، بل يبقى يتألم، وكل عضو يفقده من احتراق في آنٍٍٍ يتجدد ذلك العضو من جديد.
جهنم الشيء المؤسف، والشيء العجيب من حالة الإنسان: أن تكون جهنم التي تحدث الله عن شدة عذابها، تحدث عن حالة أهلها السيئة، البالغة السوء، أن يكون اتجاه الناس إليها، إتجاه الناس، أغلب الناس إليها، وتلك الجنة التي تحدث عنها في كل كتبه، ووصفها لعباده، القليل منهم من يدخلها!.
يقول عن جهنم، يبين لك أن من يدخلها هم أمم، أمة بعد أمة، وجيل بعد جيل: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} (الأعراف:38) هذه الآية تشبه الآية الأخرى، لتدل على أن الأكثرية من البشر هم متجهون إلى النار {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} (يس: من الآية60) هذا مما يقول الله سبحانه وتعالى, مما سيقوله لبني آدم يوم القيامة، فترى كيف الخطاب خطاب عام {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (يس60 – 63) أليس جزءاً من الكلام معهم؟ {اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (يس:64).قضية مؤسفة جداًً، وهذا هو ما كان يؤلِّم أنبياء الله في كل زمان، وهو ما كان يظهر على الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) شدة تألمه، تحسره على الأمة، تلك الأمة التي يعيش في عصرها والأمة من بعده إلى آخر أيام الدنيا، متألم جداً ومهتم بأمرهم جداً، يعمل بأي طريقة أن يعمل ما يصرفهم عن جهنم.
ولهذا كان (صلوات الله عليه وعلى آله) وكذلك كان أنبياء الله جميعاً يعملون بكل جد واجتهاد لنصح الناس ويعانون ويتعبون ويعذبون ويشردون ثم يقتل كثير منهم وهم في جد في عملهم في إبعاد الناس عن جهنم لكن لا ينفع؛ لأن الناس كما قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} (يس:62) أفلم تكونوا تعقلون: ما جاء من آيات في كتبي، ما جاءت به رسلي؟! {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} (الأنعام: من الآية130) أفلم تكونوا تعقلون ذلك الهدى، أفلم تكونوا تعقلون ذلك الهدى الذي فيه نجاتكم، الذي فيه إبعادكم من أن يضلكم الشيطان، من أن يدفع بكم جميعاً على هذا النحو: إلى أن تكونوا من أصحاب السعير، أفلم تكونوا تعقلون؟.
هنا: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} (الأعراف: من الآية38) – أممٍ – أمة بعد أمة {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} (الأعراف: من الآية38) يتلاعنون [أنتم الذين أضليتمونا، أنتم الذين عملتم كذا، لعنة الله عليكم .. !] هكذا يصبح أهل النار حياتهم فيها حياة اللعن لبعضهم بعض، أصبحوا هناك عاقلين، أصبحوا فاهمين، أصبحوا كتلاً من الحقد على بعضهم بعض خاصة الضعاف المستضعفين، تكون حسراتهم أشد، العذاب النفسي يكون عليهم أشد.
والقرآن الكريم عرض ما يتعلق بالمستضعفين من الناس هؤلاء العوام، عامة الناس، البسطاء، هم أكثر الناس عذاباً نفسياً، تألم وحسرات هم لهم عذاب لكن الحسرات التي تقطع القلوب تكون على المستضعفين، على الأتباع، على المساكين, المساكين – بتعبيرنا – فيما يتعلق بالمقارنة بين الكبار والصغار.