الإنسان مخلوق لحياتين ونجاته في الحياة الأبدية في الآخرة مرهون باستقامته في الحياة الدنيا
بصائر من نور القيادة.
السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
المحاضرة الرمضانية الرابعة للعام الهجري 1442هـ.
عندما نذكّر أنفسنا، وبالذات عندما نذكر أنفسنا كمؤمنين، نؤمن بالله “سبحانه وتعالى”، نؤمن برسله وأنبيائه وكتبه واليوم الآخر، فنحن نجد أن الله “سبحانه وتعالى” قدم لنا في القرآن الكريم، وهو من أساس ما نؤمن به: أنه “جلَّ شأنه” خلقنا لحياتين، في القرآن الكريم يقدم لنا تصوراً لحياتين خلقنا الله “سبحانه وتعالى” لهما: الحياة الأولى، والحياة الأخرى.
• الحياة الأولى: لها مدة محدودة وقصيرة.
• والحياة الأخرى: لا نهاية لها، ولا انقطاع لمدتها، حياة أبدية.
إذا غفلنا عن هذا المستقبل في الحياة الأبدية، ولم نعد نستذكر ونستحضر إلا هذه الحياة المحدودة المؤقتة، فهنا ندخل في حالة الغفلة، وهنا نتشبث في هذه الحياة ونتجه في سبيل الحصول على رغباتنا في هذه الحياة، ومتطلباتنا في هذه الحياة، بأي طريقة، بأي وسيلة، بأي ثمن، وهذا هو من أهم عوامل الانحراف للكثير من المنحرفين في هذه الحياة، أنهم في سبيل الحصول على مبتغاهم، على شهواتهم، على رغباتهم، على آمالهم، على طموحاتهم، في سبيل الحصول على ما يحقق هوى أنفسهم، لا يرتدعون، ولا ينزجرون، ولا يتحرون، عن فعل أي شيءٍ، مهما كان معصيةً، مهما كان إثماً، مهما كان جرماً.
فالله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم، وفي آياتٍ كثيرةٍ جداً، تحدث عن حياتنا في الآخرة، وأنها حياةٌ لا بدَّ منها، وأنها آتية، وقدم لنا في القرآن الكريم أيضاً تصوراً عن هاتين الحياتين، وما بينهما من ترابط، وما يميز كلاً منهما عن الأخرى، وأول ما يميز هاتين الحياتين، يميز كلاً منهما عن الأخرى، هو الوقت، أن هذه الحياة هي حياة محدودة، مؤقتة، أنت موجودٌ فيها بأجلٍ محدود، والأجل هذا ينقضي، يمر وينقضي، وما مضى منه كأنه أحلام، كأنه مر وانقضى سريعاً جداً.
بينما تلك الحياة المستقبلية في الآخرة، هي حياةٌ أبديةٌ لا انقطاع لها، والموت بينهما هو فاصلٌ قصيرٌ ونقلة، نقلةٌ، تنتقل من خلاله إلى تلك الحياة الأبدية والدائمة.
ولذلك يؤكد الله “سبحانه وتعالى” في آياتٍ كثيرة على هذه الحقائق، وينبهنا إليها في القرآن الكريم، منها قوله “جلَّ شأنه”: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[البقرة: الآية28]، هذا الإيمان بهذه الحياة الأخرى، وأنها آتية، وأن هذه الحياة ليست إلا جزءاً بسيطاً في مقابل تلك الحياة، وأن الإنسان في الأساس مخلوقٌ للأبد، والفناء بالنسبة له هو حالة عارضة، وحالة فاصلة، ينتقل بعدها إلى حياةٌ أخرى، له أهميةٌ كبيرةٌ جداً، أولاً كي لا نتشبث بهذه الحياة، ويكون كل اهتمامنا، كل اهتمامنا متوجهٌ نحوها على حساب هذه الحياة الآخرة الأبدية المهمة، وهذه نقطة مهمة جداً؛ لأن الكثير الكثير من الناس اتجهوا بكل اهتماماتهم إلى هذه الحياة، وغفلوا بشكلٍ تام عن الحياة المستقبلية الأبدية الدائمة، وبذلك تورطوا في الكثير من المعاصي، وأعرضوا، وهذا يؤثر حتى على استقامة هذه الحياة؛ لأنه كما قلنا: هناك ترابط ما بين هذه الحياة والحياة الأخرى، وهذا ركز عليه القرآن الكريم كثيراً، ومن ضمن ذلك في قوله “سبحانه وتعالى”: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}[طه: 123-126]، فهنا نجد الربط ما بين هاتين الحياتين، استقامتك في هذه الحياة، هو خيرٌ لك في هذه الحياة نفسها، وهو أيضاً أساسيٌ لا بدَّ منه في أن تستقيم حياتك الأخرى الأبدية والدائمة.