الدرس الأول من البرنامج الرمضاني: ترسيخ معاني معرفة الله في أنفسنا لتعزيز الثقة به
ترسيخ معاني معرفة الله في أنفسنا لتعزيز الثقة به.
الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي
معرفة الله عظمة الله الدرس السابع من صـ 1 ـ 5.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
في مجال معرفة الله سبحانه وتعالى، وفي سبيل ترسيخ معاني معرفته في أنفسنا لتعزيز الثقة به سبحانه وتعالى هناك وسيلة أخرى هي من أهم الوسائل، تلك الوسيلة هي: التمجيد والتعظيم لله سبحانه وتعالى, ومن خلال عرض الثناء عليه بكماله، كماله المطلق .. والقرآن الكريم قد اشتمل على كثير من الآيات الكريمة التي كانت على هذا الأسلوب، قال تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الحشر:22 – 24).
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة:255). {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (غافر:65). {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:18). {وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (القصص:70). {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:73). {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:101 – 103).
وكثير من السور في القرآن الكريم تصَدَّرت بالثناء على الله مثل قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (سبأ: من الآية1 – 3).
وسور أخرى تصدَّرت بقوله تعالى: {سَبَّحَ} أو {يُسَبِّحُ} مثل ما في أول هذه السورة سورة [التغابن]: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (التغابن:1) {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الحشر:1).وكقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (يّس:83).وقوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} (الروم:17 – 19).وما أكثر ما ورد في القرآن الكريم من أمثال هذه الآيات.
وليس فقط في القرآن الكريم بل ورد على هذا النحو أذكار كثيرة شرعها الله لعباده أن يرددوها في صلاتهم, وفي غير صلاتهم: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر) هذه من أذكار الصلاة .. (سبحان الله العظيم وبحمده)، (سبحان الله الأعلى وبحمده) , ونحن في الصلاة، ندخل في الصلاة بالتكبير لله (اللَّهُ أَكْبَرُ) وداخلها نكرر التكبير لله عند الركوع, وعند السجود, وعند القيام، وعند القعود.
والتسبيحة: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) هي من الأذكار التي وردت أحاديث بفضلها.
كل هذا هو في الواقع خطاب ثناء على الله، ينطلق من وجدان الإنسان ثم يعود إليه بشكل معانٍ تترك آثاراً في النفس.
إذا تأملنا في الآيات الأولى قول الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} هو .. يتبادر إلى ذهنك كل ما عرضه في القرآن الكريم من أنه الملك، وأنه الإله، وأنه الرب، وأنه المدبر لشؤون السموات والأرض، وأنه مالك لأمر عباده، هو الذي يحكم فيهم، هو الذي يتولى هدايتهم، هو الذي يُشرِّع لهم.
{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} كلمة: {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه} التي نرددها ونرفعها في أذاننا كل يوم للصلاة، كلمة: {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} التي تتردد في القران الكريم كثيراً، سواء بالعبارة كاملة {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} أو بعبارة {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} تكريرها جيلاً بعد جيل, سراً وجهراً هي في حد ذاتها دليل على أنه فعلاً ليس هناك إله إلا الله.
من هو ذلك الإله الذي جاء يعترض علينا فيقول: لا، عاد باقي واحد ثاني. عندما نؤذن في الصلاة وبمكبرات الصوت (أشهد أن لا إله إلا الله) , ونكرر ذلك ثم نقول في الأخير: {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ونقرأ القرآن وهو مليء بـ {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} لو كان هناك إله آخر لظهر.
فنحن نرددها جيلاً بعد جيل, مئات السنين، يرددها المسلمون في كل بقاع الدنيا، ولا أحد ظهر ليقول بأنه باقي واحد ثاني هو أنا. إذاً فحقيقة ليس هناك إله آخر.
إنما نحن الذين نصنع آلهة داخل أنفسنا، نصنع آلهة من الأشخاص ممن هم عبيد كالأنعام, وليسوا حتى مثل بقية الناس، نحن من نصنعهم آلهة، ونحن من نصنع داخل أنفسنا آلهة، في الوقت الذي نسمع قول الله تعالى يتكرر في آذاننا وعلى مسامعنا: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}. والمؤذن للصلاة يقول لنا: (لا إله إلا الله). ونحن نقول في صلاتنا: {سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله}.
لماذا لا نفكر في كيف يجب أن نستفيد من تكرير {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} نرسخ في داخل أنفسنا أن ما سوى الله لا يجب أن يخيفنا، لا ينبغي أن نخاف منه، لا ينبغي أن نعتمد عليه، ونطمئن إليه في مقابل الابتعاد عن إلهنا الذي لا إله إلا هو، وهو الله سبحانه وتعالى.
في درس سابق (1) حول قول الله تعالى لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله): {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (محمد:19).تحدثنا كثيراً عن كيف يجب أن نتعامل مع {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}، وكيف يجب أن يكون ترديدنا لها، وكيف نستفيد منها، وكيف هو الأثر الكبير، الأثر المهم الذي تصنعه في النفوس، التي تحاول أن ترسخ معانيها فيها، كيف ستصبح قوة تقهر كل من يبرزون في هذا العالم كآلهة للناس، ممن هم عبيد أذلاء ضعفاء أمام الله الواحد القهار، جبار السموات والأرض، وكيف يجب أن تكون ثقتنا بالله ثقة مطلقة، فما الذي يمكن أن نخاف منه سوى الله؟ من الذي يملك ما يملكه الله؟ من هو الكامل ككمال الله؟ من هو الدائم بدوام الله؟ من هو القاهر كقهر الله؟ من هو الجبار كجبروت الله؟. لا أحد. لا أحد.
__________
(1) الدرس الأول من دروس سلسلة معرفة الله، معنى (لا إله إلا الله)
حتى كل من يبرزون في هذه الأرض يتَعَاظَمُون أنفسهم, ويقدمون أنفسهم كجبارين, وطواغيت .. إنهم أذلاء، إنهم ضعفاء، إنهم مساكين، مساكين أمام جبروت الواحد القهار. ما أضعفهم، وما أحقرهم، وما أذلهم، وما أذلنا نحن، وما أحقرنا، وما أضعفنا إذا أصبحنا نخاف منهم ولا نخاف من الله، ما أضعفنا وما أحقرنا وما أعمى بصائرنا إذا اطمأنينا إليهم، ولا نطمئن ولا نثق بالله سبحانه وتعالى.
هو الله وحده فبه ثِق، وعليه توكل، وإياه فاسأل، وبه فاستعِن، وإليه فارغب، وإياه فارهب، وإياه فاعبد، وله فأخلص {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}. أليست هذه واحدة تكفي أن تتعامل مع الله على هذا النحو، وأن تنظر إليه هذه النظرة؟ لأنه لا إله ءَأْلَهُ إليه، أتجه إليه، أصْمُد إليه، أقصده، أعبده إلا الله.
{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أليست هذه صفة أخرى إيجابية تدفعني إلى أن أثق به، وأطمئن إليه، وأشعر بعظمته، وأرسخ في نفسي الشعور بعظمته؟ هو عالم الغيب والشهادة، فهو من إذا وثقت به وثقت بمن لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وثقت بمن لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، فمتى يمكن أن يَسْتَغْفِلني أعدائي إذا كان وليي هو من يعلم الغيب في السموات والأرض، هو عالم الغيب والشهادة؟ ومتى أحتاج فلا يسمعني, متى أدعوه فلا يسمعني؟ ليس له مجلس معين فقط متى ما سرنا إلى بوابة ذلك المجلس يمكن أن نقابله.
هو معكم أين ما كنتم, هو من يعلم الغيب والشهادة .. بالنسبة له كل شيء شاهد ليس هناك غائب بالنسبة له سبحانه وتعالى إنما ما هو غائب وشاهد بالنسبة لنا الله يعلمه, {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} {هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} هو الرحمن الرحيم .. وكما قلنا سابقاً بأن مجموع اللفظتين تفيد المبالغة في أنه رحيم بعباده.
ولو تأملنا من خلال هدايته للناس، من خلال تشريعه للناس، من خلال تدبيره لشؤون عباده، لشؤون مملكته لوجدنا ما يبهرنا من مظاهر رحمته بنا، لوجدنا ما يبهرنا من مظاهر حلمه عنا. رحمته الواسعة بنا ونحن ما نزال في بطون أمهاتنا، وبهذا ذكَّرنا في القرآن الكريم.
رحمته بنا ونحن في أحضان أمهاتنا، يعطفن علينا بقلوب مليئة بالرأفة والشفقة على الرغم من أننا نكون في ظرف لا ننفعهن فيه بشيء، بل نؤذي الأمهات. أليس الولد يؤذي أمه بأشياء كثيرة؟ يقلقها وقت نومها، يقلقها أثناء عملها، يوسخ ثيابها، وتخدمه بكل رغبة، تخدمه بكل ارتياح، يعجبها وترتاح حتى بأن تسمع صوته، وإن كان في منتصف الليل بعد أعمال شاقة طول النهار، يعجبها أن تسمع صوته، وتضمه إلى صدرها, وتَحْنُو عليه بقلبها وعطفها.
وهكذا تجد في مختلف الحيوانات الأخرى، حتى تلك الحيوانات الشرسة، تلك الحيوانات ذات المنظر البشع, أنثى التمساح التي ليس لها حِجْر تحتضن صغارها فيه، أين تضع صغارها؟ في فمها, ذلك الفم الممتلئ بالأسنان الرهيبة، فم طويل فيه مواشير من الأسنان فتحمل أولادها برفق وشفقة فوق أسنانها الرهيبة المفترسة، فيحس بالطمأنينة، ويحس بالإرتياح فوق تلك الأسنان، التي لو رآها واحد منا عن بُعْد لولى هارباً من بشاعتها!. لا تحاول أن تطبق فمَها على صغارها، تطبق فمها بالشكل الذي فقط يمسك صغارها. الرحمة حتى داخل الفم الممتلئ بالأسنان المفترسة البشعة الشكل, الكثيرة العدد.
وهكذا تجد في بقية مخلوقات الله سبحانه وتعالى فيما يتعلق بمرحلة من مراحل المخلوقات هي مرحلة الولادة، ومرحلة الحضانة للصغار.
مظاهر رحمته بنا واسعة جداً حتى في تشريعه لنا، يشرع لنا ما هو ضروري بالنسبة لحياتنا أن نسير عليه، حتى وإن لم يكن هناك من ورائه لا جنة ولا نار. المتأمل يرى بأنه ضروري فعلاً للحياة، أليس الناس يشرعون لأنفسهم قوانين ودساتير؟ هل وراءها جنة ونار من الدولة التي تشرعها؟. لا .. مجرد تشريعات يقال: تمشون عليها لتستقر الحياة السياسية والاقتصادية، ويحصل استقرار داخل هذا الشعب أو ذاك الشعب فيسعد الناس. هذا كل ما يقولونه من وراء ما يشرعون. ومع هذا ما أكثر الأخطاء التي تظهر في تلك التشريعات؛ لأنها ناقصة جاءت من قاصرين وناقصين شرعوها للناس، الناس الذين لا يمكن أن يعلم بما هو تشريع مناسب لهم إلا الله الذي خلقهم.
تأتي إلى الله سبحانه وتعالى تجد كيف أنه فيما هدانا إليه وفيما شرّعه لنا مما هو ضروري بالنسبة لحياتنا أن تستقيم عليه، وأن يسعد الناس في السير على نهجه، يأتي ليعدنا على ذلك بالأجر العظيم, والثواب الكبير، برضاه, وبالأمن يوم لقاه، وبالجنة التي عرضها السموات والأرض, التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتَلَذّ الأعين. أليس هذا من مظاهر رحمة الله؟.
لو أتى رئيس من الرؤساء وصاغ دستوراً معيناً، أو قانوناً في مجال من المجالات وقال: من التزم به وسار عليه فسوف نعطيه قطعة أرض في محافظة (حضرموت) سعتها كذا وكذا .. بمضختها بالقائمين عليها، لاتجه الناس كلهم إلى تطبيق ذلك القانون، ولآمنوا به أعظم من إيمانهم بالقرآن, من أجل أن يحصلوا على قطعة أرض، أو من أجل أن يحصل الواحد منهم على وظيفة معينة .. وما قيمة الوظيفة، وما قيمة قطعة أرض في مقابل جنة عرضها السموات والأرض؟!.
{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} (محمد:15) أليس فيها أنهار؟ كل هذه الأنهار، كل تلك الجنات المتدلية الثمار، كل تلك الجنات الواسعة المساحات، كل ذلك النعيم الدائم الذي لا ينقطع، كله يعتبر زيادة منه سبحانه وتعالى، رحمة لعباده، وعدهم به فيما إذا ساروا على هديه، والتزموا بتشريعه، أن يمنحهم ذلك النعيم العظيم .. هذه رحمة عظيمة.