الانحراف عن هدى الله وغياب الرشد والأعمال الصالحة ينتج عنه الظلم والفساد
بصائر من نور القيادة.
السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي.
خطاب المولد النبوي الشريف 1444هـ.
غياب الرشد في التفكير، وغياب النوايا والدوافع الحسنة، وغياب الأعمال الصالحة، وفي المقابل ما يأتي من بدائل لها، من أفكارٍ ظلامية، وممارساتٍ وأعمالٍ سيئة، ونوايا ودوافع فاسدة، ثمرتها في واقع الحياة المعاناة الكبيرة، والمظالم الرهيبة، والجرائم الشنيعة، والمفاسد الفظيعة، وكلها تطال حياة الناس بشكلٍ مباشر، وتسبب لهم الشقاء، والعناء الكبير، والتدهور في مختلف مجالات حياتهم، والسبب الحقيقي هو: الانحراف في مسيرة البشر عن هدى الله “سبحانه وتعالى”، وعن تعاليمه، التي هي من منطلق رحمته، وحكمته، وعلمه، ولا يمكن للإنسان الاستغناء عنها، ولا أن يقدم البدائل الأفضل منها، بل إن من لازم التفريط بها أن يشقى، وأن تتدهور حياته، كما بيَّن الله “سبحانه وتعالى” ذلك فيما ذكره عن أول حالة تفريطٍ في قصة أبينا آدم “عليه السلام”: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}[طه: 123-126].
فالله “سبحانه وتعالى” كرَّم الإنسان، واستخلفه في الأرض، وسخَّر له ما في السماوات وما في الأرض، وأسبغ عليه نعمه ظاهرةً وباطنة، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}[لقمان: من الآية20]، وقال تعالى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[إبراهيم: الآية34]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[الأعراف: الآية10].
ومنذ بداية الوجود البشري ترافقت هداية الله تعالى، وتعاليمه المباركة للإنسان، إلى جانب النعم المادية والمعنوية، وكانت- ولا تزال- ضروريةً لنجاح الإنسان، في أداء مسؤولياته في الاستخلاف في الأرض، وإقامة القسط والعدل، وإقامة الحضارة الراقية، التي تبنى على أساسٍ من المبادئ والقيم الإلهية، ويعيش الإنسان بها الحياة الطيبة، وكلما تجاهلها الإنسان، واستبدل بها ما يقدِّمه الآخرون؛ فهو يخسر، ويكون ضحيةً لاستغلال أعدائه، فالبديل عن هداية الله تعالى، هو: غواية الشيطان الرجيم، العدو اللدود للإنسان، كما بيَّن الله “سبحانه وتعالى” ذلك بقوله: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر: الآية6].