الاعتصام بحبل الله ضمان من التفرق في الدنيا ومن العذاب العظيم في الآخرة
يوميات من هدي القرآن الكريم.
الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي.
دروس من سورة آل عمران – الدرس الثالث.
{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:105) .
ما الذي يضمن لنا أن نكون أمة تنجوا من هذا التهديد الشديد بالعذاب العظيم؟. أن نعتصم بحبل الله جميعاً وأن لا نتفرق، نعتصم بحبل الله جميعاً، فنجعل من أنفسنا أمة واحدة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وإلا فالقضية أمامنا واضحة -سواء كنا علماء أو متعلمين أو متعبدين أو فلاحين أو غير ذلك- القضية أمامنا واضحة نتائجها هي {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}
وهذا كتاب الله، وهو هو الذي يرسم طريق الجنة والنار ؛لأن الذي نزل الكتاب هو الذي بيده الجنة والنار، ليس هناك إلا إله واحد، هو الذي بيده الجنة والنار، وهو الذي نزل الكتاب على رسوله صلوات الله عليه وعلى آله وهو الذي يستطيع إذا لم نمشِ على هداه أن يوصلنا إلى النار وليس هناك من يخلصنا من عذابه. أم أن النار قضية عادية وليست في نظرنا مشكلة مقلقة؟.
لو يأتي [الدَّجَّال] ويعمل [بركة] كبيرة ويملئها بالفحم والحطب ويوقدها ناراً، ويجمعنا فيقول: لا بد على كل واحد منكم أن يوقِّع على ما في هذه الورقة، وكونوا كلكم أمة واحدة على هذا، ومن يرفض سأضعه في هذه [البركة]. أليس أكثر الناس سيوافقون وسيوقعون؟ ؛ولهذا كانت ميزة عظيمة لأصحاب الأخدود فذكر الله قضيتهم في القرآن الكريم عندما تعرضوا للتعذيب بالنار فتحملوا، فلعن من جَنَوا عليهم تلك الجناية {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} (البروج:7) هكذا يصفهم الله بالمؤمنين{وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (البروج:8) ؛ ولهذا نقول أن من يُسمون الآن بالإرهابيين – يُسمى الآن بعض الوهابيين [إرهابيين]، وأنهم مطلوبون لأنهم من [القاعدة] أو أتباع لحركة [طالبان]- نقول :هم إرهابيون فعلاً يوم كانوا يسعون ليفرقوا كلمة المجتمع، يفرقون كلمة الناس ويضللونهم، هذا هو الإرهاب الحقيقي، الذي هو إرهاب للمؤمنين، إرهاب للمسلمين.
لماذا لم تتحركوا لمنعهم؟، لماذا كنتم تشجعونهم؟، لماذا كنتم تفتحون لهم أبواب مؤسسات الدولة؟، لماذا كنتم تفتحون لهم مراكز التربية والتعلم؟، لماذا كنتم تفتحون لهم المساجد؟. يوم كانوا يتحركون في تفريق كلمة الأمة، في التضليل على الأمة، في جعل اليمني هذا يلعن هذا، يطلع هذا الشخص وله ولاءات واعتقادات تخالف ما عليه هذا، يفرقون أبناء الطائفة الواحدة، يفرقون أبناء الزيدية -الطائفة التي هي المحقة، ونأمل أن يكون لها الدور الكبير في نصر الحق- يوم كانوا يتحركون في هذا لم تسموهم إرهابيين وهذا والله هو الإرهاب الشديد، هذا هو الهدم للأمة الذي يُعتبر أشد على الأمة من هدم ذلك البرج في [نيويورك] ـ الذي بدا في أذهاننا وكأنه ضربة قاضية لأمريكا وليس ضربة قاضية لأمريكا ـ لأن تُهدم أسرة هنا وتُفرق أحب إلى أمريكا من أن يُبنى لها أبراج متعددة مثل تلك الأبراج في (نيويورك) أو في [واشنطن].
أنتم تبنون لأمريكا هنا، هنا تهدمون وتفرقون كلمة الأمة وهذا هو البناء للمجتمع الذي يخدم أمريكا ويخدم إسرائيل، أن يصبح مجتمعاً لا يُقدم ولا يؤخر ولا يُحرك ساكناً، مجتمع لا يستطيع أن يحافظ على ما تبقى من إسلامه في نفسه، حتى إذا بدوا في الصورة وكأنهم عملوا شيئاً ضد أمريكا، يتحركون بكل قوتهم ويتابعونهم من هنا وهنا.
هم إرهابيون من قبل، إرهابيون وهم يفرقون كلمتنا، هم إرهابيون لأنهم يؤدون بالأمة إلى أن تصير إلى قعر جهنم ؛لأن الله تهدد في هذه الآية بقوله {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:105) .
فمن يعمل في أوساط الطائفة الواحدة إلى أن تتفرق وتختلف وداخلها البينات، البينات التي تجمعها على كلمة واحدة، وتجمعها في صف واحد، وتجعلها جديرة بنصر الله وتأييده، البينات التي هي الهدى من الله في معتقداتها في مواقفها، في فقهها، فتتفرق كلمتها، أليس هذا هو الدمار لهذه الأمة في الدنيا وفي الآخرة؟. هذا هو الإرهاب الحقيقي.
فكيف أصبح الحال أن يزعجنا ضرب مبنى من عدة طوابق في [نيويورك] ثم لا يزعجنا نحن –مَن نُسمّي أنفسنا [أولياء أمر] لهذا الشعب أو ذك- لا يزعجنا أن تتهدم الأسر ويتهدم المجتمع أسرة بعد أسرة، وتتفكك عراه، وتتباين النفوس فهذا يُكفّر هذا وهذا يُضلل هذا فنصبح مجتمعاً متفرقاً، كان هذا الذي يجب أن يزعجهم، ومن أجله يقطعون يد أولئك الإرهابيين الذين يفرقون كلمة الأمة، لا أن ينزعجوا عندما يُهدم برج، أليس الله سبحانه وتعالى يريد أن نبني أنفسنا صرحاً ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً))، ألم يمثل الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) المؤمنين بأنهم كالجسد الواحد؟. فيجب أن يكونوا صرحاً واحداً. فمن يهدم هذا الصرح بكلمة هو أخطر من ذلك الذي يهدم برجاً بطائرة أو بصاروخ.
إن هدم صرح الأمة هو الهدم الحقيقي، هو الذي ينفع أمريكا وإسرائيل، هو الذي ينفع اليهود والنصارى، الذي يضرهم هو بناء هذه الأمة وليس هدم ذلك المبنى في [نيويورك]، الذي يُعد ضربة لأمريكا هو بناء هذه الأمة لتصبح أمة واحدة، أمة واعية، أمة قادرة على أن تقف على قدميها، هذا هو الذي يُعد ضربة لأمريكا وليس ضرب الطوابق، عدت ملايين تبني مثل ذلك البرج وانتهت الإشكالية.
{وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}في { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ }(آل عمران: من الآية106) لأن ما يحصل من مواقف في هذه الدنيا بسبب جهل الناس بواقعهم ووضعيتهم، تظهر مواقف تُعتبر تدنيساً لهذا أو لذاك أو لتلك الطائفة أو تلك الأمة، مواقف وأعمال تدنسها، عار عليها، تسود وجهها فعلاً.
من يعمل على تفريق طائفة مُحِقَّة يمكن أن تجتمع على كلمة واحدة هذا هو يُلطِّخ وجهه بالعار وبالخزي، فيقدم على الله يوم القيامة ووجهه أسود، من يتولَّ اليهود والنصارى، ويقف في خدمتهم يقدم على الله وجهه ملطخ بالخزي والعار سيقدم على الله ووجهه أسود.
من لا يثقون بالله فيتبنون مواقف أخرى هم سيلطخون أنفسهم أيضاً بالعار وبالخزي ؛لأنهم لم يثقوا بربهم بأرحم الراحمين بهم، بالذي يهديهم إلى صراط مستقيم سيلطخون أنفسهم ويلطخون قلوبهم ويلطخون وجوههم بالعار فيقدمون على الله ووجوههم مسودة.
من يسمحون لأنفسهم أن يظلوا متفرقين مختلفين على الرغم من خطورة ما يواجهونه على دينهم وعلى أنفسهم هم يجعلون أنفسهم في موقف خزي وعار أمام الله سبحانه وتعالى فيقدمون على الله ووجوههم مسودّة.
يوم القيامة يوم تتجلى فيه مواقف الناس في هذه الدنيا فمن كان في هذه الدنيا يلطخ نفسه بالعار وبالخزي وبالذل تكون سِمَتُه أن يكون وجهه أسود، ومن كانت مواقفه في هذه الدنيا مواقف صحيحة مواقف مشرفة، مواقف نظيفة يَقدم على الله ووجهه أبيض {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (آل عمران:106) كفرتم بعد إيمانكم ؛لأنكم رضيتم لأنفسكم ؛لأنكم قصرتم ؛لأنكم فرطتم ؛لأنكم توانيتم فأصبحتم ضحية لأهل الكتاب فردوكم بعد إيمانكم كافرين، وهذا موقف خزي لكم ؛لأن الله حدثنا عن أهل الكتاب في القرآن بأنه ليس فيهم ما يشدنا إليهم، ليس فيهم ما يجعلنا نتأثر بهم، أنهم في خبثهم ومكرهم على النحو الذي يجب أن نكون حريصين على الاعتصام بالله من أجل أن ننجى من كيدهم ومكرهم وخبثهم حتى لا نتحول بعد إيماننا كافرين.
عندما تعاملنا مع هذه القضية ببرودة فأصبحنا نفتح لهم أذهاننا وقلوبنا لهم، أصبحنا نفتح بيوتنا وأسرنا لهم، أصبحنا نؤيدهم، أصبحنا نتحرك في خدمتهم، أليس هذا هو الخزي؟، أليس هذا هو الكفر بعد الإيمان، أن يكون الله قد عمل على إنقاذنا من أول مرة -عندما كنا قد أصبحنا على شفى حفرة من النار فأنقذنا منها-، ثم على يدي من؟. على يدي اليهود والنصارى وبخبثهم ومكرهم نعود من جديد إلى النار.