الدرس الثامن من البرنامج الرمضاني (القرآن الكريم كله قوة، كله عزة، كله شرف، كله رؤى وحلول صحيحة)

الدرس الثامن من البرنامج الرمضاني

القرآن الكريم كله قوة، كله عزة، كله شرف، كله رؤى وحلول صحيحة

الثقافة القرآنية.

الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي.

وأعتقد أنه يجب أن يكون أبرز عمل لنا في المراكز، وأبرز عنوان في المراكز وفي حياتنا الثقافية بصورة عامة هي أن نحرص على أن نتثقف بثقافة القرآن الكريم، وأن ندور حول القرآن الكريم، ونهتم بمعارفه وعلومه، ونوطِّن أنفسنا على أن نكون من النوعية الممتازة التي أثنى عليها داخله (المؤمنين).
عندما يقرأ الإنسان صفات المؤمنين في القرآن الكريم يجدها صفات راقية، عندما تعود إلى المجتمع تجدها صفات مفقودة، أليس هذا حاصل؟ وكأن القرآن يتحدث عن نوعية من الناس ليست موجودة؟.
إذاً فعندما أنت – هذا من الخداع للنفس، الإنسان قد يخادع نفسه -: أنا أريد أن أعرف ما لي وما عليّ، ولا أرى أن مما عليّ هو أن أكون ممن يتمتع بتلك المواصفات التي ذكرها الله لأوليائه والمؤمنين من عباده في القرآن الكريم؛ لأن الجنة أعدت لمن؟ أعدت للمؤمنين، أعدت للمتقين، أعدت لأولياء الله، العزة في الدنيا أعدت للمؤمنين {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون: من الآية8) الرفعة، الشرف، القوة، التمكين هو للمؤمنين. وفي الآخرة الحساب اليسير لمن؟ لأولياء الله، الأمن لأولياء الله {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا} ألم يقل هكذا؟ {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (يونس:62)

فعندما يظن الإنسان أن بإمكانه أن يقرأ كتاباً فقهياً، وهو يعلم أنه عندما يقرأ القرآن يجد أن بينه وبين تلك المواصفات التي عرضها الله عن أوليائه عن المؤمنين عن المتقين، أن بينه وبينها مسافات، ويرى الناس من حوله، يرى زملاءه، يرى أسرته، يرى المجتمع كله من حوله بعيداً عن هذه فاعرف بأنك تمشى على طريق هي غير الطريق التي رُسمت للمؤمنين، تؤدي بك إلى غاية هي غير الغاية التي تؤدي إليها السبيل التي رُسمت للمؤمنين. أين يسير المؤمنون؟ أليسوا يسيرون إلى الجنة، يكون حسابهم يسيراً، يُبعثون فرحين يوم القيامة آمنين، ويساقون مكرمين إلى الجنة، فهل تنتظر .. هل تنتظر أنت وأنت تقول: أنك تريد أن تعرف ما لك وما عليك، وأنت لا تحاول أن تتحلى بهذه الصفات التي ذكرها القرآن الكريم للمؤمنين هل تنتظر أن تحشر كالمؤمنين؟ وأن تدخل الجنة كالمؤمنين؟. لا.
والقضية أسوأ من هذه, القضية أيضاً من جانب آخر أسوأ؛ إذا لم يكن الإنسان الذي ينطلق للتعليم، الذي يحمل اسم (مسلم) إذا لم ينطلق وفق المواصفات القرآنية التي أرادها الله للإنسان المسلم فإنه سيكون من يخدم في حياته الباطل أكثر مما يخدم الحق، يخدم الباطل حتى وإن حمل علماً، خاصة إذا كان باطل وراءه يهود.
نقول أكثر من مرة، نقول أكثر من مرة: اليهود يستطيعوا, يستطيعوا أن يُسَيِّروا علماء لخدمتهم، أن يسيروا عبّاد لخدمتهم، إذا لم نعد إلى القرآن ونتثقف بثقافته بمعنى صحيح وبشكل جاد .. يستطيعوا أن يُسيّروا إنساناً يتعبد ليله يُسيّروه يخدمهم، عالِم يخدمهم.

قد تتعلم وتخرج وتخدم اليهود من حيث لا تشعر، من حيث لا تشعر؛ لأنك حينئذٍ لا تتمتع بحكمة، ليس لديك رؤية حكيمة، لا تتمتع بالمواصفات الإيمانية، المواصفات التي ذكرها الله لأوليائه في القرآن الكريم، التي تمنحهم القوة، وتمنحهم الحكمة، وتمنحهم زكاء النفس، فترضى وأنت تحمل القرآن، وهذا من أسوأ الأشياء، ومن أعظم الأشياء إساءة إلى القرآن وإلى الله أن تحمل القرآن الكريم، أن تتعلم القرآن الكريم وتُعلّم القرآن الكريم وفي نفس الوقت تبدو إنساناً هزيلاً, ضعيفاً في مواقفك من أعداء الله.
القرآن الكريم كله قوة، كله عزة، كله شرف، كله رؤى صحيحة وحلول صحيحة تعطي كل من يسيرون على نهجه أن يكونوا بمستوى أن يضربوا أعداء الله كيفما كانوا وكيفما كانت قوتهم، فالذي يحمل القرآن الكريم ولا يتثقف بثقافته – وإن كان يتلوه ليله ونهاره – هو من سيكون في الواقع ممن نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وسترى أن الشخص الذي يحمل القرآن وتراه ضعيفاً في مواقفه من أعداء الله، ضعيفاً في رؤيته للحل الذي يهدي إليه القرآن فاعرف بأنه بمعزل عن القرآن الكريم، وبعيد عن القرآن الكريم، وأنه يسيء إلى القرآن، وأنه في نفس الوقت سيعكس وضعيته هذه المتردية وضعفه على الآخرين، فيصبحُ قدوة للآخرين في ضعفه بدلاً من أن يكون قدوة للآخرين – وهو يحمل القرآن الكريم – في قوته.

فنحن يجب أن نتعلم القرآن الكريم، وأن نتثقف بثقافته. ومما يعطينا القرآن الكريم سنعرف كيف نقيّم الآخرين، نعرف أن هذا مواقفه قرآنية ومنسجمة مع القرآن، أن هذا – مهما كان شكله، مهما كانت عبادته، مهما كان يمتلك من كتب – يبدو وضعيته غير منسجمة مع القرآن الكريم، رؤاه غير منسجمة مع القرآن الكريم، في الوقت الذي يقول القرآن الكريم للناس يحثهم على الجهاد، يحثهم على الوحدة على الأخوة على الإنفاق في سبيل الله، على أن يبيعوا أنفسهم من الله على أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ويأمرهم بأن يقاتلوا أعداء الله، تجد كلامه – والمسبحة في يده -[مالنا حاجة وأفضل للناس يسكتوا، وقد يكلفوا الناس على نفوسهم … ] كلام من هذا النوع، هذا لا يمكن أن يكون منسجماً مع القرآن الكريم.
سنصبح ضحايا لكثير ممن يحملون عِلْماً إذا لم نُمنح – نحن كطلاب علم كناس مسلمين – نُمنح مقاييس قرآنية نستطيع من خلالها أن نعرف ما هي المواقف الصحيحة، ومن الذي تعتبر مواقفه صحيحة، وحركته قرآنية، ومن الذي هو بعيد عن القرآن الكريم، سيصبح الإنسان ضحية، قد تسمع مثلاً [يا خبير سيدي فلان أو سيدنا فلان ما بعده، هو ذاك عالم كبير ما هو حول الأشياء هذه، ولا بيقول كذا، هو بيقول للناس ما بِلاّ با يكلفوا على نفوسهم أحسن للناس يسكتوا ولا يطلعوا كلمة ولا .. ولا .. ما عاد احنا أحسن منه، وما عاد فلان أحسن منه] وبعده.
ما هكذا قد ينطلق الناس على هذا النحو؟. لا .. يجب أن نرجع إلى القرآن الكريم فنستفيد منه كيف نكون حكماء في رؤيتنا، في تقييمنا لأنفسنا أولاً، وفي تقييمنا للآخرين من حولنا، وفي معرفتنا لما يدبره أعداؤنا، وفي معرفتنا لما هو الحل في مواجهة أعدائنا.

متى قدم القرآن الكريم السكوت المطلق كموقف حكيم في مواجهة أعداء الله؟ لا .. قد يُوجّه بمرحلة معينة: اعف واصفح، لفترة معينة، وأنت تشتغل في نفس الوقت، تعمل لا تتوقف إطلاقاً، فقط أجِّلْهم في الموقف هذا، وهم ضعاف، هم لا يشكلون خطورة بالغة، لا تنشغل بهم آناً، في هذا الحال وفي نفس الوقت أنت تعمل، أنت تهيئ، أنت تجهز علناً وسرًّا، سرًّا وعلناً مواقف واضحة.
لأنه يَرِد في القرآن الكريم أحياناً عبارات من هذه: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة: من الآية109) ماذا يعني حتى يأتي الله بأمره؟. وهل الرسول سيعفو ويصفح ويوقِف كل شيء، أم أنه كان ينطلق ويتحرك باستمرار؟ ينطلق ويتحرك باستمرار، إنما ربما هذا الموقف المنطلق من جانب هؤلاء الأعداء يهود معينين لازالوا مستضعفين، موقفهم قد يكون غير خطير في ذلك الزمن، قبيلة معينة خلّيهم لا تنشغل بهم، لا تؤاخذهم على هذا فتغرق أنت في الانشغال بهؤلاء لحالهم.
ينطلق في العمل العام، وفي بناء مجتمع قوي، وفي بناء دولة، وفي بناء أمة، هناك أَمرُ الله في الأخير يستطيع أن يضرب هؤلاء إذا لم يقفوا عند حدودهم، إذا لم يهدَءوا، إذا ما ظلوا يحيكوا المؤامرات ضد النبي وضد الإسلام. لم يأت في القرآن توجيهات بالسكوت المطلق.