الدرس الخامس عشر من البرنامج الرمضاني (الله هو الذي لعن الظالمين، هل يمكن أن يوجب عليّ طاعتهم؟! لا

الدرس الخامس عشر من البرنامج الرمضاني

معنى التسبيح.

الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي.

المهم أننا نريد أن نقول: أنه في حالات الشدائد، في حالات الشدائد وهي الحالات التي يضطرب فيها ضعفاء الإيمان، يضطرب فيها من يفقدون نسبة كبيرة من استشعار تنزيه الله سبحانه وتعالى، الذي يعني تنزيهه عن أن يخلف وعده وهو القائل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.
وفعلاً لو تتوفر عوامل النصر لدى فئة، تكون على المستوى المطلوب، ويوفرون أيضاً من الأسباب المادية ما يمكن أن يوفروه, لا شك أن هؤلاء سيحققون نصراً كبيراً.
ولا يعني النصر: هو أن لا يتعبوا، أن لا يستشهد منهم البعض أو الكثير، ولا يعني النصر هو أن لا يحصل لهم من جانب العدو مضايقات كثيرة، ولا يعني النصر: هو أن لا يحصل منهم سجناء .. إنهم مجاهدون، والمجاهد هو مستعد لماذا؟ أن يتحمل كل الشدائد في سبيل الإنتصار للقضية التي من أجلها انطلق مجاهداً, وهو دين الله.

عمار بن ياسر في أيام صفين كان يقول: والله لو بلغوا بنا سعفات هجر – أو عبارة تشبه هذه، قرى يشير إليها في البحرين – لعلمنا أننا على الحق وهم على الباطل. يقول: لو هزمنا معاوية وجيشه حتى يصلوا بنا البحرين لما ارتبنا أبداً في أنهم على باطل وأننا على حق .. إنسان واعي، إنسان فاهم، يعرف طبيعة الصراع، يعرف ميادين الجهاد التي تتطلب من هذا النوع، يحصل فيها حالات كر وفر، يحصل حالات تداول في الأيام فيما بين الناس، يحصل كذا يحصل كذا.
فهو لا ينطلق على أساس فهم قاصر للمسألة، أن يفهم قول الله تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} إذاً سيتحرك وبالتالي فلن يلاقي أي صعوبة، وأن معنى تأييد الله هو إمداد غيبي له بحيث لا يلاقي أي عناء .. ليس هذا هو الفهم المطلوب .. وأنت واثق من المسيرة التي تسير عليها أنها مسيرة حق، والمواقف التي تتحرك فيها أنها مواقف حق، هذا شيء مهم، ثم ثق, وعندما تثق هل تثق بنصرك شخصياً؟ يجب أن تلغى، وإلا فسيكون من ينظرون إلى أنفسهم شخصياً, أن يتحقق لهم شخصياً كل تلك الوعود فهم من قد يضطربون عند أول شدة يواجهونها.
انظر لماذا تتحرك؟ هل أنت تتحرك في سبيل الله؟ ألم تكن هذه العبارة هي التي تكررت في القرآن الكريم بعد كلمة: {يجاهدون، جاهدوا، جاهِدوا؟ في سبيل الله، في سبيل الله، في الله} هذه هي الغاية, هو الهدف الذي من أجله أتحرك، أنا أتحرك في سبيل الله، وأن التحرك في هذا الميدان هو يتطلب مني أن أصل إلى استعداد بأن أبذل نفسي ومالي. أليس معنى ذلك إلغاء النظرة الشخصية والمكسب الشخصي؟ أن أتحرك في هذا الميدان لأحقق النصر لدين الله, والعمل لإعلاء كلمته وإن كان ذلك بماذا؟. ببذل نفسي ومالي، أليس معناها التلاشي؟ التلاشي المادي بالنسبة لي؟ وجودي، جسدي، وماديات أموالي، ما المعنى هكذا؟.

إذاً فليس هناك مجال للتفكير في النصر الشخصي, كل شخص ينطلق على أساس أنه يريد أن يتحقق له النصر الشخصي. لا. ربما قد يكون مكتوب لك أن تكون من الشهداء، هذا هو النصر الشخصي، النصر الشخصي بالنسبة لك حتى لو لم تكتمل المسيرة، أو جُبن الآخرون من ورائك، أما أنت فقد حققت النصر، قمت بالعمل الذي يراد منك أن تقوم به، وبذلت كل ما بإمكانك أن تبذله، فأنت قد نصرت القضية على أعلى مستوى، وتحقق لك النصر، أوليس نصراً عظيماً أن تكتب عند الله من الشهداء الذين قال عنهم: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (آل عمران:169 – 170) أليس هذا هو نصر؟.
تنزيه الله سبحانه وتعالى الذي يعني: تنزيهه في ذاته، فلا يمكن أن نصفه بما يستلزم منه أن يكون مشابهاً لمخلوقاته أبداً. تنزيهه في أفعاله هو، فلا يمكن أن نتهمه في فعل من أفعاله أنه صدر منه مخالفاً لمقتضى الحكمة، مخالفاً لما يليق بجلاله وحكمته وعظمته، تنزيهه في أن ننسب إليه – فيما يتعلق بوعوده – أنه يخلف الميعاد، أنه لم يف بوعده {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} (البقرة: من الآية40).
تنزيهه في تشريعه أيضاً, أن يشرِّع ما يتنافى مع كماله سبحانه وتعالى، أن يشرع لنا ما يتنافى مع قدسيته، مع عظمته، مع جلاله، مع حكمته، مع عدله. كل ما يتنافى مع ذلك لا يمكن أن يشرِّعه الله سبحانه وتعالى لعباده.

هو الذي لعن الظالمين، هل يمكن أن يوجب عليّ طاعتهم؟! لا .. فمن يأتي ليقول: إن الحاكم الفلاني هو خليفة المسلمين يجب طاعته؛ لأنه أصبح ولي الأمر فتجب طاعته، فهو يحدثني بكلمة: [تجب طاعته] يضفي على المسألة امتداداً تشريعياً أي أن الله أوجب علي طاعة هذا أليس كذلك؟ أي: أن من شريعة الله, من دين الله أن أطيع هذا .. هذا لا يمكن أبداً أن يكون من دين الله، لا يمكن أبداً أن يكون مما يرضى به الله سبحانه وتعالى.
وهكذا ظهرت أشياء كثيرة جداً نسبت إلى دين الله سواءً في مجال العقائد، في المواقف، في التشريعات الأخرى، قد يلقاها أيُّ إنسان طالب علم، فإذا ما كان ينطلق من هذه القاعدة: [تنزيه الله سبحانه وتعالى] فسيرى كم ستفيده هذه القاعدة، وسيرى البصيرة العظيمة التي تتحقق له من وراء اعتماده على هذه القاعدة، قاعدة ماذا؟ تنزيه الله سبحانه وتعالى؟.
الله يعلم أن كثيراً من عباده سينسبون إليه مالا يليق به فأوضح لنا نحن خطورة المسألة على أنفسنا في نظرتنا إلى الله سبحانه وتعالى، خطورة المسألة على أنفسنا فيما يتعلق بواقع الحياة، فأبان لنا في القرآن الكريم الآيات التي تدل على ماذا؟ على أن قضية تنزيهه قضية مهمة استنفر لها كل مخلوقاته: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (الجمعة: من الآية1) أليس هذا استنفاراً عاماً لكل المخلوقات؟ طبعها بأن تسبحه, ما كان منها بلسان المقال, وما كان منها بلسان الحال، فهو يشهد بأنه – فيما هو عليه – يشهد بنزاهة الله.
التنزيه لله سبحانه وتعالى ليس فقط مجرد حكم ببراءته من كذا، عندما نقول في صلاتنا أثناء الركوع: (سبحان الله العظيم وبحمده) ألسنا نقول: (وبحمده)؟ التنزيه الذي يجب أن ينطلق منا نحو الله سبحانه وتعالى ليس فقط مجرد التبرئة وإصدار حكم ببراءته من كذا، بل التنزيه المتلبس بالثناء عليه.

وكمثال على هذا أنت تجد من الناس من إذا نسب إليه أنه عمل عملاً سيئاً، ولكن لم تثبت إدانته فحكمنا ببراءته فقط, قلنا: هو بريء. هل في هذا ثناء عليه؟ هو بريء، لكن أن ينسب ذلك الفعل إلى شخص أنت تعرفه بالتقوى، بالعبادة، بالصلاح، بزكاء نفسه، بطهارة روحه، وتعرفه عمره لم يحدث منه مثل هذا الشيء، كيف ستقول أنت؟ ستقول: أبداً هذا ما يمكن أن يحصل منه كذا وهو كذا, وهو كذا, ونحن نعرفه أنه كذا، وهو من أولياء الله، وهو .. وهو .. إلى آخره. ألسنا سنقول هكذا؟ هذا هو التنزيه المتلبس بالثناء, أي مترافق بالثناء، والذي يقدم في ماذا؟ في صيغ متلبسة بالثناء. تقول: أبداً ما يمكن يحصل منه هذا، نحن نعرفه إنسان ولي من أولياء الله، وإنسان متدين وعاقل و .. و .. إلى آخره.
فنعرف الفرق بين مجرد البراءة ومطلق البراءة، التبرئة, وبين التبرئة المتلبسة بالثناء أيهما أفضل؟ التبرئة المتلبسة بالثناء. فنحن نقول: (سبحان الله العظيم) نسبحه: ننزهه (وبحمده) بالثناء عليه ننزهه؛ لأنه إنما يستحق الثناء من هو منزه.
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفاتحة:2) أليست هذه أول سورة الفاتحة؟ بعد: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفاتحة:1 – 2) أول آية بعد البسملة تُصدَّر بالثناء على الله {الْحَمْدُ لِلَّهِ} أن يكون هو أهل للثناء عليه، أن يكون هو من يستحق الثناء عليه، فأن يثني على نفسه, ويثني عليه عباده يعني ذلك أنه منزه، أنه الكامل الذي لا يليق به، لا يليق بكماله، لا يليق بجلاله أن يصدر منه هذا الشيء, أو هذا الشيء، أو أن يكون على هذا النحو في ذاته، أو أن يصدر منه هذا الفعل السيئ، هذا معنى: (سبحان الله العظيم وبحمده .. سبحان الله الأعلى وبحمده) الحمد معناه: الثناء على الله سبحانه وتعالى.